المدخل المختصر للدارسين على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه
المدخل المختصر
للدارسين على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه
هذا المختصر أعددتُه لطلبة مدرسة الأصالة للعلوم الشرعية، عند تدريسي لكتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب)، المشهور بمتن الغاية والتقريب للإمام أبي شجاع، وبشرح العلَّامة محمد بن قاسم الغزِّي، أنقُل فيه أصولًا وقواعدَ ومعلوماتٍ عن المذهب الشافعي بصورة مختصرة؛ ليسهُلَ عليهم فَهم فقه المذهب، ومعرفة طريقة استنباط الإمام الشافعي، وكذلك فقهاء المذهب، للأحكام الشرعية من مصادرها الشرعية المعتبَرة.
فلا يمكن فَهم فقهِ المذهب وطريقة تحرير الفتاوى عندهم إلا بعد الاطلاع على أصولهم وقواعدهم المقررة في الاستنباط، ومعرفة قواعد وأصول الاستنباط لكل مذهب من مذاهب الأئمة المتبوعين المرضيِّين، وهذا يُولِّد جيلًا واعيًا من الشباب المسلم يحترم ويقدِّر هؤلاء الأئمة، ويعذرونهم في اختلافهم، وأنهم لا يتعمَّدون مخالفة النص أبدًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه القيِّم [رفع الملام عن الأئمة الاعلام (ص 10)]: “وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولًا عامًّا يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سُنَّتِه؛ دقيقٍ ولا جليل؛ فإنهم متفقون اتفاقًا يقينيًّا على وجوب اتباع الرسول، وعلى أن كل أحد من الناس يؤُخَذ من قوله ويُترَك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا وُجِد لواحد منهم قولٌ قد جاء حديث صحيح بخلافه، فلا بد له من عذر في تركه”، ونسأل الله تعالى القبول والإخلاص.
والمذهب الشافعي هو ثالث المذاهب الأربعة الرئيسية في الفقه الإسلامي، ويعود تأسيسه إلى الإمام الشافعي، الذي عاش في القرن الثاني الهجري، ويعتمد المذهب الشافعي على قواعدَ ومناهجَ معينةٍ في استنباط الأحكام الشرعية، بناءً على النصوص القرآنية، والسنن النبوية، وكذلك على الأدلة العقلية.
ويتميز المذهب الشافعي بالاهتمام الكبير بالقواعد العامة للفقه الإسلامي والأدلة العامة، ويرى الفقهاء الشافعية أنه يجب أن يكون هناك اعتناء بالنظريات الفقهية، حتى يتسنَّى للفقيه إصدار الأحكام المناسبة للحالات والظروف المختلفة.
ويَتْبَعُ مذهب الشافعي عدد كبير من المسلمين في الشرق الأوسطوجنوب آسيا وغيرها، ويمتد تأثيره في العديد من الدول الإسلامية، ويأتي في الاتباع والانتشار بعد مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان رحمهما الله تعالى.
إمام المذهب:
هو عالم العصر، وناصر الحديث والسُّنَّة، وفقيه الملة، إمام الدنيا، أبو عبدالله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبديزيد بن هاشم بن المطلب بن عبدمناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، الشافعي القرشي الهاشمي المطلبي، وُلِد في غزة سنة (150 هـ)، وهو العام الذي مات فيه الإمام أبو حنيفة رحمه الله.
تُوفِّيَ والد الشافعي وهو صغير، فحملته أمه إلى مكة المكرمة حيث نشأ فيها، وقد حفِظ القرآن في صِباه، ثم خرج إلى هُذَيلٍ بالبادية فحفِظ كثيرًا من شعر الهُذَليين، وعاد إلى مكةَ فلزِم مسلم بن خالد الزنجي، وهو شيخ الحرم ومُفتيه، فأخذ عنه الفقه حتى أذِن له بالإفتاء، ثم رحل إلى المدينة، وتتلمذ على الإمام مالك رحمه الله، وقد اضطر للعمل؛ نظرًا لفقره، فتولى عملًا باليمن، لكنه اتُّهم وهو باليمن مع غيره بالتآمر ضد الدولة العباسية، وحُمِل إلى بغداد، وكاد يُقتَل لولا شهادة الإمام محمد بن الحسن الشيباني له، وموقف حاجب الرشيد الفضل بن الربيع الذي دافع عنه، فأطلق الخليفة هارون الرشيد سراحه، وأمر بوصلِه.
وكانت هذه المحنة مصدرَ خيرٍ للشافعي؛ إذ توثَّقت صلته بعدها بالإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، وأخذ عنه فقه العراق، وجرت له مع هذا الإمام مناقشات ومناظرات، ثم عاد الإمام الشافعي إلى مكة المكرمة، ولكنه ما لبِث أن قدِم العراق سنة (195 هـ)، وأخذ يملي كتبه التي كتبها في مذهبه القديم، ومن أهمها كتاب (الحجة) و(الرسالة).
وفي سنة (199 هـ) سافر إلى مصر، وفيها ظهرت مواهب الشافعي ومقدرته الفقهية بشكل أوسعَ، فأملى على تلاميذه المصريين كُتُبَه في مذهبه الجديد الذي كَتَبَهُ أو رواه تلاميذه في مصر عنه، ولم يزل الإمام الشافعي بمصرَ بعد سفره إليها حتى تُوفِّيَ بها سنة (204 هـ)؛ [ينظر: سير أعلام النبلاء (8/ 36)].
أصول المذهب:
من المعلوم أن لكل مذهب فقهي أصولَه، وبهذه الأصول تتميز المذاهب المختلفة، وكلما كانت الأصول واضحة ومُتَّفقة في المذهب، كانت الاستنباطات والاجتهادات أقرب إلى السداد، وقد جرت عادة حَمَلَةِ المذاهب بعد الأئمة استنباط طرائق الاجتهاد والاستدلال من مناهج أصحاب المذاهب، ومن هنا نشأ علم الأصول في المذاهب.
أما في مذهب الإمام الشافعي، فقد كان الأمر مختلفًا؛ فالإمام الشافعي هو الذي وضع أصول مذهبه بنفسه، وهو من كتب كُتَبَه بنفسه وأملاها على تلاميذه، وكان إملاؤه في بعض الأحيان من ذاكرته، وبدأ بناء المذهب على هذه الأصول، وكان كتاب (الرسالة) الأولى، ثم الثانية من أول ما كُتِبَ في علم أصول الفقه، فالإمام الشافعي هو أول من وضع كتابًا مستقلًّا في علم الأصول كما هو معلوم.
فأصول الأحكام لدى الشافعي مدوَّنة في (الرسالة، والأم)، ومرتَّبة على خمس مراتب، كل مرتبة مقدَّمة على ما بعدها:
المرتبة الأولى: الكتاب العزيز والسُّنَّة الثابتة، والكتاب العزيز ينقسم إلى: أمر ونهي، وعام وخاص، ومجمل ومبين، وناسخ ومنسوخ، والسُّنَّة مع الكتاب، فهي في كثير من الأحوال مبيِّنة له، مفصِّلة لمجمله، وهي قولية وفعلية.
المرتبة الثانية: الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سُنَّة، والمراد بالإجماع إجماع الفقهاء الذين يُعتَدُّ بإجماعهم.
المرتبة الثالثة: قول بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيًا من غير أن يعرف أن أحدًا خالفه.
قال الإمام الشافعي في [الأم (7/ 280)]: “فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين في موضع الأمانة، أخذنا بقولهم، وكان اتباعهم أولى بنا من اتباع مَن بعدهم، والعلم طبقات؛ الأولى الكتاب والسُّنَّة إذا ثبتت السُّنَّة، والثانية الإجماع مما ليس في كتاب ولا سُنَّة، والثالثة أن يقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعلم له مخالفًا فيهم، والرابعة اختلاف أصحاب الرسول، والخامسة القياس على بعض هذه الطبقات، ولا يُصار إلى شيء غير الكتاب والسنة وهما موجودان”.
قال الزركشي في [البحر المحيط (4/ 360)]: “وهذا صريح منه في أن قول الصحابي عنده حُجَّة مقدَّمة على القياس، كما نقله عنه إمام الحرمين، فيكون له قولان في الجديد، وأحدهما موافق للقديم، وإن كان قد غفل عن نقله أكثر الأصحاب”.
المرتبة الرابعة: اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسألة، فيُؤخَذ من قول بعضهم ما هو أقرب إلى الكتاب والسنة.
المرتبة الخامسة: القياس على أمرٍ عُرِفَ حكمُه بواحد من المراتب الأربعة السابقة؛ والقياس: هو طريقة في الاستدلال، فيستدل المجتهد بعلة الحكم الثابت بالنص أو الإجماع على حكمِ أمرٍ غيرِ معلوم الحكم، فيلحق الأمر المسكوت عنه في الشرع بحكم المنصوص على حكمه إذا اشتركا في علة الحكم، وقد دافع الإمام الشافعي في (رسالته) وفي اختلاف الحديث دفاعًا مجيدًا عن العمل بخبر الواحد الصحيح، كما تحدث في الرسالة عن القياس حديثًا لم يُسبق إليه، وكان موقفه منه موقفًا وسطًا لم يتشدد فيه، ولم يتوسَّع فيه.
وكذلك اعتنى الإمام برواية الحديث وتحقيقها، ويُعَدُّ الإمام الشافعي حافظًا كبيرًا للحديث النبوي، ويركز على تحقيق الروايات الحديثيةقدر الإمكان، وثبت عنه قوله: “إذا صح الحديث فهو مذهبي”.
ومعناه: إذا ثبتت صحة الحديث، وثبتت دلالته على الحكم المقصود، وسلم من المعارضة، ولم يكن منسوخًا، فإذا تحققت هذه الأمور صحَّ الاستدلال به عنده.
واهتم الإمام كذلك بالقراءات واللغة العربية، فهو إمام في اللغة العربية والقراءات؛ فهي عنده من أهم العلوم التي يجب على الفقيه معرفتها؛ لأنها تساعده على فهم أدق للنصوص الشرعية، وكذلك اهتم الإمام بأدلة الاجتهاد، وجمع الأدلة الشرعية ودراستها وتحليلها؛ كالقياس والاستحسان والمصلحة العامة، وغيرها.
وبهذا المنهج الأصولي قرَّب الإمام الشافعي بين مدرستي (الرأي) و(الحديث) أكثر مما فعل غيره من الفقهاء، وهو بهذا قد أفحم الذين هاجموا السنة وفنَّد مزاعمهم، وردَّ كيدهم إلى نحورهم، فضلًا عن سبقه في تدوين الأصول، ومصطلح الحديث في ثنايا كتابه (الأم).
أصحاب الإمام ونقلة المذهب:
وسأقتصر على ذكر أشهرهم، وأكثرهم ملازمة للشافعي:
1- الإمام البويطي: وهو أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، نسبة إلى (بويط) قرية في صعيد مصر، وهو من أكبر تلاميذ الشافعي، وهو خليفته في حلقته من بعده، وكان الشافعي يعتمد عليه في الفُتْيَا.
وقال الشافعي: “ليس أحدٌ أحق بمجلسي من يوسف بن يحيى، وليس أحد من أصحابي أعلم منه”، وقال عنه: “أبو يعقوب لساني”.
وكان من العُبَّاد القوَّامين الصوَّامين، وقد سُجِنَ في بغداد في محنة القول بخلق القرآن، وكان وهو في السجن إذا كان يوم الجمعة من كل أسبوع، غسل ثيابه واغتسل وتطيَّب، فإذا سمع النداء إلى صلاة الجمعة، مشى إلى باب السجن، فيقول له السجَّان: إلى أين؟ فيقول: أجيب داعي الله، فيقول له: ارجع رحمك الله، فيقول البويطي: اللهم إني أجبت داعيك فمنعوني، وقد مات في سجنه سنة (264 هـ).
2- الإمام المزني: هو أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى، وُلِد سنة (175 هـ)، وهو مصري، طلب العلم منذ صغره، ولما جاء الشافعي إلى مصرَ اتَّصَلَ به وتفقَّه عليه، حتى قال الشافعي فيه: “المزني ناصر مذهبي”.
ويُعَدُّ فقيهًا مجتهدًا مطلقًا؛ لِما عُرِفَ له من اختيارات خالف فيها إمامه، وقد ألَّف كُتُبًا كثيرة؛ من أهمها: المختصر الصغير الذي نشر به المذهب، الذي كان يُقرَأ أو يُعَوَّل عليه في الشرح والفتوى، وكتاب الجامع الكبير، والجامع الصغير، والمنثور، والمسائل المعتبرة، تُوفِّيَ سنة (264 هـ).
3- الإمام الربيع المرادي: هو الربيع بن سليمان بن عبدالجبار، وُلِدَ بالجيزة بمصر سنة (174 هـ)، صاحب الشافعي وراوي كُتُبِه، كان ثقة ثبتًا، روى عنه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والطحاوي.
والربيع المرادي هو الذي روى كتب الإمام، وعن طريقه وصلتنا (الرسالة) و(الأم) وغيرهما، فالشافعية مَدِينون للربيع في ذلك.
وقد طالت صحبته للشافعي وأحبَّه الشافعي حتى قال له: “لو أمكنني أن أُطْعِمَك العلم لأطعمتُك”، وقال أيضًا: “ما خدمني أحد قط ما خدمني الربيع بن سليمان”، تُوفِّيَ سنة (270 هـ).
4- الإمام أبو حفص حرملة: هو أبو حفص حرملة بن عبدالله التجيبي المصري، وُلِدَ سنة (166 ه، ت: 234 هـ)، وروى عن الشافعي، وأكثر ما رواه عن ابن وهب، روى عنه مسلم وابن ماجه، وأثنى عليه ابن معين وغيره، من تصانيفه: المبسوط، والمختصر.
5- الإمام الكرابيسي: هو أبو علي الحسين بن علي بن زيد الفقيه البغدادي، تفقَّه أولًا على مذهب أهل الرأي، ولما قدم الشافعي بغدادَ سمِع منه، وتفقَّه عليه، فانتقل إلى مذهبه، وكان أحفظَ أصحاب الشافعي لمذهبه، توفي سنة (245 أو 248 هـ).
6- أبو موسى يونس بن عبدالأعلى الصدفي المصري المقري، الإمام الكبير، وُلِدَ سنة 170 ه، انتهت إليه رياسة العلم بديار مصر، ورُوِيَ عن الشافعي أنه قال: “ما رأيت بمصر أحدًا أعقل من يونس بن عبدالأعلى”، مات سنة أربع وستين ومائتين، السنة التي مات فيها المزني.
7- أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن عبدالحكم بن أعين المصري، وُلِدَ سنة 182 ه، وسمع من ابن وهب وأشهب من أصحاب مالك، وصحِب الشافعي وتفقَّه عليه.
ولازم الإمام الشافعي مدة، وقيل: إن الشافعي كان معجبًا به لفرط ذكائه، وحرصه على الفقه.
وحُمِلَ في المحنة – محنة خلق القرآن – إلى بغداد، ولم يُجِبْ إلى ما طُلِبَ منه، ورُدَّ إلى مصر، وانتهت إليه الرياسة بمصر، ومات في سنة نيف وستين ومائتين.
8- أبو بكر عبدالله بن الزبير بن عيسى القرشي الأسدي الحميدي المكي، محدِّث مكة وفقيهها، كان قد أخذ عن مسلم بن خالد الزنجي، والدراوردي، وابن عيينة؛ شيوخ الشافعي، ورحل مع الشافعي إلى مصر، ولزمه حتى مات الشافعي، ثم رجع إلى مكة.
قال الإمام أحمد بن حنبل: “الحميدي عندنا إمام جليل”، وقال أبو حاتم: “أثبت الناس في ابن عيينة الحميدي”، وقال محمد بن إسحاق المروزي: “سمعت إسحاق بن راهويه يقول: الأئمة في زماننا: الشافعي والحميدي وأبو عبيد”، مات بمكة سنة تسع عشرة ومائتين.
9- أبو الوليد موسى بن أبي الجارود المكي، راوي كتاب الأمالي عن الشافعي، وأحد الثقات من أصحابه والعلماء، كان فقيهًا جليلًا، أقام بمكة يُفتي الناس على مذهب الشافعي، قال أبو عاصم: يُرجَع إليه عند اختلاف الرواية.
10- الحسن بن محمد بن الصباح البغدادي الإمام أبو علي الزعفراني: شيخ الفقهاء والمحدثين، وأحد رواة القديم، كان إمامًا جليلًا، فقيهًا محدِّثًا، فصيحًا بليغًا، ثقةً ثبتًا.
قال الماوردي: “هو أثبت رواة القديم”، قال ابن حبان: “كان أحمد بن حنبل وأبو ثور يحضران عند الشافعي، وكان الحسن الزعفراني هو الذي يتولى القراءة”، مات سنة ستين ومائتين، وهو الذي يُنسَب إليه درب الزعفراني ببغداد، وفيه مسجد الشافعي.
11- أبو ثور إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان، أبو ثور الكلبي البغدادي، الإمام الجليل أحد أصحابه البغداديين، قيل: كنيته أبو عبدالله، ولقبه أبو ثور.
قال أبو بكر الأعين: “سألت أحمد بن حنبل: ما تقول في أبي ثور؟ قال: أعرفه بالسُّنَّة منذ خمسين سنة، وهو عندي في مسلاخ سفيان الثوري”؛ أي: مثله.
وقال ابن حبان: “كان أحد أئمة الدنيا فقهًا وعلمًا وورعًا وفضلًا وخيرًا، ممن صنف الكتب، وفرَّع على السنن وذَبَّ عنها، وقمع مخالفيها”، توفي في 27 صفر سنة 246 هـ ببغداد.
أهم كتب المذهب الشافعي:
1- كتاب (الأم): وهذا الكتاب موسوعة فقهية اشتملت على كل أبواب الفقه المعروفة من عبادات ومعاملات، بالإضافة إلى عدة كُتُب ناقش فيها الشافعي بعض فقهاء العراق وغيرهم في قضايا أصولية وفقهية.
ولهذه الموسوعة خصائص منهجية وأسلوبية تنفرد بها؛ فهي تتميز بجزالة اللفظ والجواب، والجمع بين الفروع والأصول؛ ولهذا يُمثِّل كتاب (الأم) فقهَ الشافعي أصدقَ تمثيل، ويعبِّر عن عمق البحث الفقهي وشموله لدى هذا الإمام أوفى تعبير.
2- مختصر المزني: للإمام إسماعيل بن يحيى المزني (ت: 264 هـ).
3- المهذب: لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي (ت: 476 هـ)، وقد ذكر فيه أصول مذهب الشافعي بأدلتها، وما تفرَّع على أصوله في المسائل المشكِلة بعللها، وقد شرح (المهذب) الإمام النووي في كتابه (المجموع)، وهو موسوعة في الفقه المقارن، وسَتَرِدُ الإشارة إليه في الحديث عن كتب هذا الفقه.
4- التنبيه في فروع الشافعية: وهو من تأليف صاحب (المهذب)، وهذا الكتاب أحد الكتب الخمسة المشهورة والمتداولة بين المتقدمين من الشافعية؛ وهي: مختصر المزني، والمهذب، والتنبيه، والوسيط، والوجيز، وعلى التنبيه شروح ومختصرات تربو على المائة، كما قال صاحب (كشف الظنون).
5- نهاية المطلب في دراية المذهب: لإمام الحرمين عبدالملك بن عبدالله الجويني (ت: 478 هـ)، وهو موسوعة في فقه الشافعي، لم يُصنَّف في المذهب مثله كما قال السبكي، ويتعرض الجويني في كتابه إلى آراء الفقهاء من المذاهب الأخرى؛ ولذا يُعَدُّ كتاب نهاية المطلب من كتب الفقه المقارن، كما يعد من أمهات كتب المذهب الشافعي.
6- البسيط في فروع الفقه: لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت: 505 هـ)، وهو كالمختصر لنهاية المطلب لشيخه إمام الحرمين.
7- الوسيط في فروع المذهب: له أيضًا وهو مختصر من البسيط، وقد عمد فيه أبو حامد إلى حذف الأقوال الضعيفة، والتفريعات الشاذة.
8- الوجيز في فقه الإمام الشافعي: للغزالي أيضًا، وهو مأخوذ من البسيط والوسيط مع بعض الزيادات، ومن ثَمَّ ألَّف كتابًا آخر سماه (الخلاصة).
9- المحرر: لأبي القاسم عبدالكريم بن محمد الرافعي (ت: 623 هـ)، وهو عمدة في تحقيق المذهب، وهو مقتبس من كتاب الوجيز للغزالي، وقد اشتغل به العلماء شرحًا واختصارًا وتدريسًا، ومن شروحه كتاب (كشف الدرر في شرح المحرر)، لشهاب الدين أحمد بن يوسف السندي الحصكفي (ت: 895 هـ).
10- فتح العزيز في شرح الوجيز: لصاحب المحرر، وقد شرح فيه الرافعي كتاب (الوجيز) للإمام الغزالي، ووضح فقه المسائل، كما كشف عما انغلق من الألفاظ، ودقَّ من المعاني.
11- اللباب في فقه الإمام الشافعي: للإمام أحمد بن محمد الضبي أبي الحسن المحاملي (ت: 415 هـ).
12- الإقناع في الفقه الشافعي، والحاوي الكبير: للإمام أبي الحسن الماوردي (ت: 450 هـ).
13- نهاية المطلب في دراية المذهب: لإمام الحرمين أبي المعالي الجويني (ت: 478 هـ).
14- بحر المذهب: للإمام أبي المحاسن الروياني (ت: 502 هـ).
15- حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء: للإمام أبي بكر القفال الشاشي (ت: 507 هـ).
16- التهذيب في فقه الإمام الشافعي: للإمام الحسين بن مسعود الفراء البغوي (ت: 516 هـ).
17- وللإمام أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي (ت: 676 هـ) عدة مؤلفات في المذهب، لها أهميتها وقيمتها، وإن جاءت اختصارًا أو شرحًا لكتب أخرى؛ أهمها: كتاب المجموع شرح المهذب، ولكن للنووي مع هذا إضافاته وتحقيقاته العلمية النَّفِيسة، ومن هذه المؤلفات: الروضة في الفروع، وقد اختصره النووي من كتاب (فتح العزيز) للرافعي، وكتاب منهاج الطالبين للنووي، وهو اختصار لكتاب (المحرر) الذي ألفه الرافعي.
وعلى منهاج الطالبين عدة شروح؛ منها: تحفة المحتاج لشرح المنهاج لابن حجر الهيثمي (ت: 974 هـ)، وكتاب (مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج) للشربيني الخطيب (ت: 977 هـ)، ونهاية المحتاج شرح المنهاج لابن حمزة الرملي (ت: 1004 هـ).
18- ومن المتون المعتبرة في المذهب الشافعي: متن الغاية والتقريب، المشهور بـ(متن أبي شجاع)، لأحمد بن الحسين بن أحمد أبي شجاع شهاب الدين أبي الطيب الأصفهاني (ت: 593 هـ)، فهذا المتن من خير كتب المذهب شكلًا ومضمونًا، فهو على صغر حجمه قد اشتمل على جميع أبواب الفقه ومعظم أحكامه ومسائله في العبادات والمعاملات وغيرها، مع سهولة العبارة، وجمال اللفظ، وحسن التركيب، إلى جانب ما امتاز به من تقسيمات موضوعية تسهل على المتفقِّه في دين الله إدراكه واستحضاره.
ولِما امتاز به هذا المتن أقْبَلَ عليه طلاب العلم والعلماء قديمًا وحديثًا بالحفظ والدرس والشرح، ومن العلماء الذين شرحوا متن الغاية والتقريب الشربينيُّ الخطيب صاحب (مغني المحتاج)، في كتابه (الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع)، وتقي الدين الحسيني الدمشقي في كتابه (كفاية الأخيار)، وأبو الفضل ولي الدين البصير في كتابه (النهاية)، والشيخ محمد بن قاسم الغزي المسمى (فتح القريب المجيب) … وغيرهم.
ومن العلماء مَن كَتَبَ الحواشي عليه:
منهم حاشية الشبراملسي (ت: 1078 هـ)، وحاشية البرماوي (ت: 1160 هـ)، وحاشية البيجوري (ت: 1277 هـ)، حاشية النووي الجاوي (ت: 1316 هـ)، وحاشية القليوبي (ت: 1069 هـ)، حاشية البيجرمي (ت: 1221 هـ)، وغيرهم.
[ينظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة، طبقات الشافعية لأبي عاصم العبادي، طبقات الفقهاء الشافعية لأبي عمرو بن الصلاح، تذكرة الحفاظ للذهبي، المذهب في ذكر شيوخ المذهب لأبي حفص عمر بن علي المطوعي].
مصطلحات الفقهاء الشافعية:
الأظهر: أي من قولين أو أقوال للإمام الشافعي، قَوِيَ الخلاف فيهما أو فيها، ومقابله (ظاهر)؛ لقوة مدرَك كلٍّ.
المشهور: أي من قولين أو أقوال للشافعي لم يَقْوَ الخلاف فيهما أو فيها، ومقابله (غريب)؛ لضعف مدركه؛ قال الإمام الرملي: “والمشهور أقوى من الأظهر، والخلاف هنا ضعيف لضعف المدرك”.
والمشهور أقوى من الأظهر من جهة أن المشهور قريب من المقطوع به؛ لأنه يقابله الخفي، وهو لا يجوز العمل به، لكن من جهة التصحيح فتصحيح الأظهر أقوى من تصحيح المشهور؛ لأنه يقابله الظاهر وهو يجوز العمل به، وكذلك الأمر في الأصح والصحيح.
الأصح: أي من وجهين أو أوجه، ولكن لم يقوَ الخلاف بين الأصحاب، ومقابله ضعيف؛ لفساد مدركه.
الصحيح: يدل على كون الخلاف وجهًا لأصحاب الشافعي متخرج من كلام الإمام، وأن الخلاف غير قوي لعدم قوة دليل المقابل، وأن المقابل ضعيف وفاسد لا يُعمَل به لضعف مدركه.
المذهب: مدلوله أن المفتَى به هو ما عُبِّر عنه بالمذهب.
النص: أي نص الشافعي، ومقابله وجه ضعيف أو مخرج.
الجديد: هو ما قاله الشافعي في مصر تصنيفًا أو إفتاء، وأشهر رواة قوله الجديد: البويطي، والمزني، والربيع المرادي، والربيع الجيزي، وحرملة، ويونس بن عبدالأعلى، وعبدالله بن الزبير المكي …
والقول الجديد يدل على أن الخلاف بين قولي الشافعي الجديد والقديم، وأن الجديد هو الراجح والقديم هو المرجوح، هذا إذا اختلف القديم والجديد، أما إذا اتفقا، فالأمر واضح.
القديم: هو ما قاله الإمام الشافعي قبل انتقاله إلى مصر تصنيفًا أو إفتاء، سواء أكان رجع عنه – وهو الأكثر – أم لم يرجع عنه، ويسمى أيضًا بالمذهب القديم، وأبرز رواته: الزعفراني، والكرابيسي، وأبو ثور.
الأوجَه: يدل على أن الخلاف بين أكثر من وجه للأصحاب، وأن مقابل المرجوح منها الأصح أو الصحيح.
الاختيار، والمختار: هو الذي استنبطه المختار بالاجتهاد من الأدلة الأصولية، وهو خارج عن المذهب، ولا يُعوَّل عليه، فإذا كان في عبارة النووي في الروضة، فهو بمعنى الأصح في المذهب.
المعتمَد: عند ابن حجر يُقصَد به الأظهر من القولين أو الأقوال للشافعي.
الشيخان: هما الرافعي والنووي.
الإمام: يريدون به إمام الحرمين الجويني (ت: 478 هـ).
القاضي: يريدون به القاضي حسين (ت: 462 هـ).
القاضيين: يريدون بهما الروياني (ت: 502 هـ)، والماوردي (ت: 450 هـ).
الربيع: يريدون به الربيع بن سليمان المرادي (ت: 270 هـ)، وإذا أرادوا الربيع بن سليمان الجيزي (ت: 256 هـ( قيَّدوه به.
الشيوخ: يريدون بهم: النووي، والرافعي، وتقي الدين السبكي (ت: 756 هـ).
شيخنا: وحيثما قال كل من الخطيب الشربيني (ت: 977 هـ)، وشمس الدين الرملي (ت: 1004 هـ) في مصنفاتهما: شيخنا؛ فالمراد شيخ الإسلام زكريا الأنصاري (ت: 926 هـ).
وإذا قال الخطيب الشربيني: شيخي؛ فمراده شهاب الدين الرملي (ت: 957 هـ(، وهو المراد أيضًا من قول شمس الدين الرملي: أفتى به الوالد رحمه الله.
وإذا أطلق الشيرازي في كتابه (المهذب): أبا العباس؛ فهو ابن سريج (ت: 306 هـ)، وإذا أطلق أبا سعيد؛ فهو الإصطخري (ت: 328 هـ)، وإذا أطلق: أبا إسحاق؛ فهو المروزي (ت: 340 هـ).
وحيث أطلق النووي في كتابه (المجموع) ذِكْرَ القفال، فمراده به المروزي (ت: 417 هـ)، أما إذا أراد القفال الشاشي (ت: 365 هـ) قيَّده فوصفه بالشاشي.
وإذا ذكروا مصطلح “المحمدون الأربعة”؛ أرادوا بهم: محمد بن نصر أبو عبدالله المروزي (ت: 294 هـ)، محمد بن إبراهيم بن المنذر (ت: 310 هـ)، محمد بن جرير الطبري (ت: 310 هـ)، محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت: 311 هـ)؛ [ينظر: مصطلحات المذهب الشافعي: د/ كمال صادق، معجم مصطلحات الفقه الشافعي: سقاف بن علي].
الحمد لله تعالى على توفيقه، ونسأله القبول والإخلاص، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.