صبر أولي العزم من الرسل: إبراهيم ويعقوب عليهما السلام
صبر أولي العزم من الرسل
إبراهيم ويعقوب عليهما السلام
أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم وخاتم رسله، وصفوة خلقه محمد بن عبد الله أن يتخذ من أولي العزم من الرسل أسوة في صبرهم، فقال تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف:35]، وقد روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن مسروق عن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثها بعد صيام طويل صامه، ثم قال: يا عائشة، إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد، يا عائشة، إن الله لم يرض من أولي العزم من الرسل [1] إلا بالصبر على مكروهها، والصبر على محبوبها، ثم لم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم، فقال: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾، وإني والله لأصبرن كما صبروا جهدي، ولا قوة إلا بالله”؛ (ضعيف) (تفسير ابن كثير:4/ 172).
صبر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
فقد رأى إبراهيم عليه الصلاة والسلام في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل – ورؤيا الأنبياء وحي – فجاء بابنه وعرض عليه الأمر قائلًا: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾ [الصافات:102]، فما كان من إسماعيل – عليه السلام – إلا أنه قال لأبيه: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات:102]، فقال له: ﴿ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾، ولم يقل: افعل ما رأيت في منامك؛ لأنه يعلم أن هذا أمر من الله تعالى، ولا يمكن مخالفته، واستسلم إبراهيم وإسماعيل – عليهما السلام – لأمر الله، وتلَّه أبوه للجبين – أي جعل وجهه للأرض حتى لا تتلاقى الأعين، فيرق القلب، ويتحرك شفقةً ورحمة على الولد، وتهيأ إسماعيل للذبح بالسكين، وقد بلغ الابتلاء غايته، وحقق ثمرته، ونجح الوالد والولد كلاهما في الامتحان، ونفذا ما أمر الله به دون تردد أو ارتياب، فجاءت البشرى من رب العالمين: ﴿ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [الصافات:104-107]، وبهذا دخل إسماعيل ديوان الصابرين، وسجل هذا القرآن الكريم، فقال تعالى: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ [2] كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الأنبياء: 86،85].
صبر يعقوب – عليه السلام:
لقد امتحن يعقوب – عليه السلام – بفراق أحب أبنائه إليه يوسف عليه السلام ومن بعده شقيقه الأصغر – بنيامين – ومع كون هذا الأمر شديدًا على يعقوب – عليه السلام – لشدة حبه ليوسف، ومع ذلك تجمَّل وتحلى بالصبر، فقال بعد فراق يوسف – عليه السلام -: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف:18]، وقال بعد فراق ابنه الثاني: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف:83]، فهو ليس صبر اليائس القنوط، إنما هو صبر الآمل الراجي في فضل الله، الواثق بأن بعد العسر يسرًا، وبعد الفرقة اجتماعًا، فقال: ﴿ عَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ﴾، فاستجاب الله له وجمع بينه وبين بنيه.
[1] أولو العزم من الرسل هم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد- صلوات ربي وسلامه عليهم-. وهم الذين خصهم الله بالذكر في سورة الأحزاب بقوله: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [الأحزاب:7]، كما ذكرهم في سورة الشورى في قوله تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى:13] وهؤلاء الأربعة من الأنبياء وخامسهم النبي صلى الله عليه وسلم لقوا من العنت والأذى والبلاء أكثر مما لقيه غيرهم من الأنبياء والمرسلين.
[2] قرن القرآن الكريم بين هؤلاء الثلاثة من الرسل في هذه الآية من سورة الأنبياء، ووصفهم بالصبر، ولكن لم يعرف ما صبر عليه إدريس وذو الكفل- عليهما السلام-.