أهمية القراءة


أهمية القراءة

 

سؤال وجودي عند سكان عالم القراءة، إلا أن لكل ساكن وفرد إجابة مغايرة ناتجة في الأصل عن التجربة التي خاضها، والحقية أنَّه لا نصيحة في القراءة إنها التجربة.

 

أجد- على المستوى الشخصي – أهمية القراءة تتجلَّى عند الإجابة عن سؤال آخر؛ ألا وهو: لماذا نقرأ؟

 

القراءة في ذاتها مفيدة لا جدال، ولكن ما يعود على القارئ من نتاج اطِّلاعه يختلف في ذلك التأثير حسب ما يرمي إليه القارئ من وراء قراءته هذه.

 

لماذا نقرأ؟

هناك قراءة لمجرد الثقافة والاطلاع، وهناك قراءة للمتعة (قراءة الروايات)، هناك قراءة عملية متخصصة، هناك قراءة لتحصيل معرفة موسوعية.

 

وفي كل لا تخلو قراءة من فائدة، حتى قراءة الروايات التي يختلف عليها كثيرون، فهي لا تخلو من نفع وفائدة؛ مثل إنها تضيف أفقًا وتُوسِّع مداركَ وخيال القارئ، تضيف إليه المزيد من التجارب والخبرات، تثقل معجمه اللُّغوي، فهي ترفيه نافع.

 

لماذا أقرأ؟

في الحقيقة ما دفعني للقراءة هو محض مصادفة جاءت لي في الوقت المناسب، عندما كنت في الصف السادس الابتدائي وقع تحت يدي مسرحية لشكسبير، ولم أكن أعلم عنها أو عن الكاتب شيئًا؛ ولكن وجدت الكتاب ضمن مُخلَّفات تركتها خالتي خلفها بعد الزواج في بيت جدتي، اطَّلَعت عليه وأعجبني!

 

التجربة ذاتها بالنسبة إلى طفل كثير القراءة لم يتعوَّد من الكتب على الخفة أو اللطف؛ بل هي محض معلومات متراكمة تحصلها لكي تنجو من الاختبارات الدراسية.

 

ذلك ما دفعني إلى حب مثل هذه النوعية من الكتب؛ كتب خارج المنهج.

 

بعد ذلك يتقلب القارئ في كل قسم مدة، يهتم بالفلسفة تارةً، وبالروايات تارةً، وبالسياسة تارة أخرى، ومرة بالكتب الدينية وهكذا.

 

حتى يركن إلى نوع بذاته مفضلًا إياه عن باقي الصنوف.

 

المهم من كل ذلك، وهو ما دفعني للكتابة في الموضوع لأنه وبكل صراحة مثل هذا الموضوع كتب فيه ما يعادل عدد سنوات الحياة على الأرض!

 

فما دفعني إلى الكتابة هي ظاهرة كتب مشاهير (السوشيال ميديا)، ولا غضاضة من أن ينشر هؤلاء ما يحسنون الظن فيه على أنه مادة علمية أو معرفية نافعة، ولا العيب أو اللوم يكون لدار نشر وافقت على مثل هذه السطور أن تخرج إلى النور، ففي النهاية هي مؤسسة ربحية غاية ناشئها الربح، ولكن العيب كل العيب على العدد المهول الذي نراه من تجمُّعات في حفلات التوقيع، والإشادات التي لا أرضى أن أصِفَها بالنفاق!

 

ولكن مثل هؤلاء لا يُعدُّون من القُرَّاء، هم متابعون؛ بل في الوصف الأدق تابعون لهذا الشخص، وقيمة الشيء عندهم (الكتاب) مستمدة من قيمة الشخص لا من قيمة الكتاب ذاته.

 

لذلك إشادات مثل: أفضل كتاب قرأته في حياتي! روعة! أنا طول عمري ما قرأت كتابًا أجمل من هذا! أفضل رواية في السنة!

 

ما كل هذا؟! مثل هذه العبارات كانت لا تُقال لمثل نجيب محفوظ أو طه حسين، العقاد، الحكيم، إدريس،…

 

إذا رجعت إلى المدح في النتاج الأدبي الذي قدمه مثل هؤلاء العظماء من أبناء جيلهم لن تجد مثل هذه العبارات البرَّاقة التي تنم عن تردِّي ثقافي وانحطاط في الذوق العام.

 

أبحث عن محادثات بين نجيب محفوظ أو يوسف إدريس وقُرَّائه! لم يكن الأمر هكذا!

 

فما الذي حدث؟

لا أجد لذلك تفسيرًا سوى ما قدمت على أن التبعية هي التي تربط بين الشخصية المشهورة على الإنترنت (الكاتب إذا جاز لنا التعبير لذلك) وبين مُتابِعيه (القراء المفترضين).

 

ولأن مثل هؤلاء لا علاقة لهم بالثقافة والقراءة وسعة الاطِّلاع من قريب أو بعيد؛ لذلك يبهرهم النتاج المتردي من هؤلاء، محبة في شخوصهم لا محبة في نتاجهم الفكري.

 

فقد تغلبت العاطفة وساعدها في ذلك قِلَّة الاطِّلاع.

 

بعد ذلك كله، هناك إشكالية في طرح القراءة كوسيلة معرفية بحيث إن جميع الناجحين على الأغلب لديهم كتب ومكتبات ضخمة، أيمكن اعتبار القراءة هي الأداة التي أوصلتهم إلى ذلك النجاح؟

 

في الحقيقة هي وسيلة في ذلك وليست سببًا رئيسيًّا، ولكنها وسيلة يصعب الاستغناء عنها.

 

وكما قد أسلفنا من ذي قبل بأن التجربة هي الحكم في نفعية القراءة، ولكل قارئ تجربة خاصة به، وإذا توجهنا نحو بعض الأسماء المعروفة لنعرف منهم كيف للكتب أن تهدي الحائر لوجدنا:

يقول مصطفى صادق الرافعي في ذلك: ليكن غرضك من القراءة اكتساب قريحة مستقلة، وفكر واسع، وملكة تقوى على الابتكار، فكل كتاب يرمي إلى إحدى هذه الثلاث فاقرأه.

 

بمعنى: أن القراءة في الكتب والبحث عن المعلومة بنفسك في ذاتها تجربة مهمة تكون مع الوقت قريحة مستقلة، وتخلصك من التبعية والأحكام المسبقة، وهي الداء الذي يعاني منه العرب كافة.

 

بالإضافة إلى توسيع مدارك الفهم والفكر مما يساعدك على الابتكار والإبداع.

 

بينما نجد العقاد يقول: لأن عندي حياةً واحدةً في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة، والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة؛ لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق، وإن كانت لا تطيلها بمقادير الحساب.

 

بمعنى: أن للفرد حياةً واحدةً محدودةً ومحددةً؛ فهي محدودة من حيث القدرة على خوض التجارب الكثيرة، ومحددة ببداية ونهاية مكتوبة.

 

لذلك فإن القراءة والاطلاع وسعة الثقافة تزيد من هذه الحياة من حيث إنها تثقلها بتجارب الآخرين وعلم السابقين، فالإنسان غير قادر على أن يخوض جميع تجارب الفلسفة من جديد، ولا أن يعود من جديد حتى يخوض كل تجربة عملية بنفسه! فهذا ضرب من ضروب العبث.

 

فالإنسان محدود داخل الزمان والمكان الذي وُلد فيه، والبيئة التي نشأ بها، والظروف التي تحيط به من كل جانب، ومحدد بعمر معين قد سبق في علم الله؛ لذلك نقرأ تجارب العلماء بدلًا من أن نخوضها مرةً ثانيةً، ونقرأ قصص القدماء بدلًا من أن نغزلها من جديد، ونستخلص تجارب السابقين من الفلاسفة والحكماء، هنا تكمن أهمية القراءة والاطلاع حيث تكمن أهمية التدوين.

 

كتب كثيرون عن أهمية القراءة، وستجد عن كل واحد ما يعبر عن جزء منك؛ لأن كما قلنا: لا نصيحة في القراءة ولكنها التجربة!

 

هناك من يجعل القراءة بابًا من أبواب الترفيه، وهناك من لا غنى له عنها فهي عمله وتخصُّصه، وهناك من يتكئ عليها ليقدر على خوض تجربة الحياة، وهناك من يلتفت إليها مجرد التفات في كل حين، المهم أن نقرأ.

 

أما بالنسبة إليك إن كنت مسلمًا، فالقراءة فرض عين! وكيف ذلك؟

قراءة كتاب الله فرض، وإن كانت كذلك فقراءة التفاسير لفهم مراد الله فرض، أو أن تكون مثل الحمار يحمل أسفارًا ولا يدرك ما فيها! وقراءة التفاسير ترمي بك إلى قراءة الأحاديث والأشعار؛ من ثم تلج باب العلم وتكون القراءة وسيلتك في ذلك.

 

أخيرًا، القراءة فعل لن تندم عليه أبدًا مهما كنت تقرأ، ومهما كانت ساعات القراءة! أبدًا!





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
Copilot: AI Prompt Writing 101 – Microsoft
Avatar 3: Jon Landau Debunks Title Rumor for New Movie (Exclusive) – ComicBook.com