احذري من سارقات القلوب


احذري من سارقات القلوب

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

لقد كثرت الشكاوى عن “سارقات القلوب“، وأقصد بهذا المصطلح هنا الإشارة إلى من تسرق قلب زوج صديقتها، فقد لفت انتباهي ظهور هذه المشكلة في برامج مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وهذا المقال عن مشكلة عانت منها نساء كثيرات؛ ألا وهي- كما سميتها مجازًا سابقًا- مشكلة “سارقات القلوب”؛ حيث تكررت هذه المشكلة في صور مختلفة ومع أشخاص مختلفين ولكن هي القصة نفسها؛ حيث يأتي الزوج ليطلب عفو زوجته بعد طلاق أو هجر سنين؛ لأنه خانها مع صديقتها.

 

فلنناقش هذه المشكلة بغض النظر عما يحيط بها من متغيرات، وأول الجزئيات التي تتبادر إلى الذهن هي السؤال: كيف اجتمع الزوج والصديقة معًا؟ وما مدى خطأ كل من الزوج والزوجة في ذلك؟ وعلى من يكون الذنب والجرم؟

 

فهذه أسئلة لا بد لكل امرأة وقعت في هذه المشكلة أن تسألها لنفسها أولًا، ولنسميها مرحلة العصف الذهني، وهذه أولى خطوات دراسة المشكلة للبحث عن الحلول التي قد توجد لها.

 

وسأتخيل أنني أتحاور مع صاحبة المشكلة تلك لنفهم الوضع بشكل مباشر، ونبدأ بالسؤال الأول: أجيبي أختاه، كيف اجتمع زوجك وصديقتك؟ ومَنْ هَيَّأ لهما ذلك اللقاء؟ وسامحيني على هذا السؤال الذي تُعرف أجابته من عنوانه، فأنا هنا لست لأجعلك تتألمين؛ ولكني أحاول بحث مشكلة أضرت بك وأضرت بكثيرات غيرك، ونحاول أن نجد لها حلولًا علاجية ووقائية.

 

وكما أسلفت، فإن السؤال الأول يجيب عن نفسه؛ إذ هناك شخص واحد مشترك بين هذين الشخصين؛ ألا وهو أنت، فأنت من جلبت صديقتك لبيتك وفتحت لها بابك على مصراعيه دون ضوابط ولا حدود بحسن نيتك، وأريتها الطريق السهل لزوجك، وهيَّأتِ لذلك اللقاء، فلِمَ فعلتِ هذا أختاه؟! ألم تعلمي أن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم؟! وهل اعتقدتِ أن صديقتك هذه معصومة من الخطأ واستأمنتِها على زوجك أغلى مَن عندك؟ لا يا أختي إنها ليست معصومةً ولا تُسْتأمن عليه حتى ولو كانت صديقة عمرك؛ حيث أثبت الواقع أن هذا غير مستحيل، وقد حدث بالفعل مع كثيرات ممن يسمين بصديقات العمر.

 

نعم، تلك الصديقة التي قضيت معها طفولتك وأجمل أيام عمرك قد أظهرت وجه الأفعى الذي كانت تخبئه عنك تحت القناع، وحتى إن لم تكن كذلك سابقًا فأنت بجمعها بزوجك في مكان واحد قد حولتِها إلى أفعى سامة، فسمَّمت بدنك، وأحرقت قلبك على حبيبك ورفيق دربك، لقد أخذت زوجك، وسرقت قلبه منك بسهولة ويسر، ونسي هو ما كان بينكما من حب وعشرة عمرٍ وأطفال صغار يحتاجون إليكما معًا.

 

نعم، فأنت المجرم الأول بحق نفسك وحق أطفالك وبيتك الذي دمرتِه بتهيئتك ذلك اللقاء، وتركك المجال ليختلي الشيطان بهما؛ فيقع ما كان محظورًا وكنت تخافينه سواء بالحلال أو الحرام، فلماذا يا أختاه تعصين أوامر ربك وتخربين بيتك بيدك؟! أنسيت حرمة اختلاط الرجال بالنساء دون ضوابط شرعية وتحريم الخلوات المحرمة، فلماذا تتركينها تنام في بيتك، أو تختلي بزوجك، أو تركب معه السيارة، أو تحادثه بتبسط ودون كلفة، أو تظهر أمامه متبرجة وتكثر زيارتها لك بوجوده، وغير ذلك مما يمهد لوقوع الشر، لماذا تفتحين الباب لها على مصراعيه؟! أنسيت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يخلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ؛ فإنَّ الشَّيطانَ ثالثُهما))[1].

 

فهما وقعا في الفتنة بسبب تصرُّفك هذا غير الحكيم الذي يخالف الشرع، فإن وقعا في الحب والخيانة والزنا، فهذا هلاك لهما، وربما نقلا لك الأمراض الخطيرة؛ كالإيدز وغيره، وإن كان اجتماعهما بالحلال، فله الحق بالزواج ولكن كان ينبغي عليه أن يُعلِمك.

 

وفي النهاية تكونين أنت قد خسرتِ زوجك بإدخالها بينكما، فأي خير في أن تتركي المجال لصديقتك لتدخل بيتك وتعيث فيه فسادًا! وإن قلتِ لي: إنها صديقة عمري وأنا أثق بها ثقة عمياء وعشت معها الدهر ولن تخونني، سأقول لك: نعم هذا وارد وحدث بالفعل، ولكن هل يعني ذلك أن تجمعيها بزوجك وكأنه محرم لها. ولقد أثبتت الحوادث أن كل ذلك الود يمكن أن يتبدل ويذهب في ساعة شيطانية، إنها فتنة النساء بالرجال، والرجال بالنساء التي لا تقف عند حد، وتهد معها كل القيم والآداب، وتذهب دونها المحبة والعشرة، فالفتنة التي أوقعتِهما فيها كانت أشد من حبهما لك، فمن المسؤول عن هذا؟! إنه أنت ولا شك، وإن كان زوجك خانك فأنت من جعلته يفعل هذا بجلبك تلك الغريبة لبيتك.

 

أرجو أن تكوني قد تعلمت الدرس الآن بألا تفتحي باب بيتك على مصراعيه دون ضوابط، وإن استضفتِ صديقتك فلا تهيئي لها المجال لتختلي بزوجك، ولا يجوز هذا؛ لأنه ليس بمحرم لها، ويكون هذا حرصًا منك للحفاظ على الأصول والآداب الإسلامية أولًا ثم على بيتك ثانيًا.

 

وأسأل الله تعالى أن يرد زوجك إليك وإلى أبنائك، ويرجع البسمة إلى شفتيك. حبيبتي في الله، إن حزنك يحزنني ولا أريدك أن تبقي عليه، إن ذهب زوجك وذهبت صديقتك، فالله موجود لا يذهب ويتركك، امسحي دمعتيك واستعيني بالله وقفي من جديد، واسعي لإصلاح ما فسد بالحكمة واللين، وادعي الله كثيرًا واستغفري، وقومي في منتصف الليل، وصلي واذرفي الدمع، واشتكي لخالقك واسأليه أن يرده إليك ردًّا جميلًا، وأبشري أختي بإذن الله؛ فإما أن يستجيب الله برده إليك، أو يبرئ جرح قلبك فتنسينه وتسعين في فرحة أبنائك، وربما قسم الله لك بالزواج ممن هو أبرُّ لك وأوفى منه وأحسن خلقًا، أبشري فهذه الأيام السوداء ستنقضي وتذهب وستقفين من جديد؛ ولكن احذري عندها من خبث الأفاعي وقرصها؛ لأنه يؤلم، ولا تقعي في ذلك الفخ مرة ثانية ولا تهيئي للخلوة بين زوجك وصديقتك في مكان واحد، وإن كان لا بُدَّ أن تختاري بينهما، فزوجك أبقى لك، وأحبُّ إلى قلبك وقلب أولادك، فاختاريه هو واحفظيه من الفتن، وتذكري أنه رغم خيانته فأنت لك اليد الكبرى في فتح الباب لذلك، فأرجوك ألا تفعلي ذلك مرة ثانية إن أصلح الله لك الأمور، وتعلمي من خطئك ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِن جُحْرٍ واحِدٍ مَرَّتَيْنِ))[2]، ولا تنظري للوراء، فقومي واستعيني بالله وابدئي حياةً جديدةً، وقولي: قدَّر الله وما شاء فعل، وتذكري أن أمر المؤمن كله خير، قال صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له))[3]، وكل شيء يحدث بتقدير الله، وربما حدث ذلك لخير ما لا تعلمينه، فربما كان زوجك ذلك إنسانًا عاصيًا، وسيودي بك إلى نار جهنم، وربما وجدتِ ضالتك في العلم والعمل، وربما رزقك الله بزوج أفضل منه، أو أرجع إليك زوجك بعد وقت يطلب سماحك، قال تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، فاسترجعي الأمر إلى الله وأوكليه فيه واسأليه أن يصلح لك ما انكسر، ويطيب خاطرك، ويسلل سخيمة قلبك.

 

وأسأل الله تعالى لكل من تأذَّتْ من هذه المشكلة أو غيرها أن يصلح شأنها، ويبرئ جرحها وجرح أطفالها، ويربط على قلبها ويعوضها الخير كله، وأن يحفظ بيوت المسلمين والمسلمات من الفتن والمشاكل والطلاق، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


[1] ذكره ابن عبدالبر في التمهيد (1 /227)، وحكمه عليه: ثابت، وأخرجه ابن بشران في (الأمالي) (1484) مطولًا واللفظ له، وأخرجه الترمذي (2165)، وأحمد (114) مطولًا باختلاف يسير.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
David Mitchell: By the Book – The New York Times
Nicolas Cage in National Treasure: Book of Secrets (2007) – imdb