الدرس السادس عشر: آية الكرسي والتربية


الدَّرْسُ السَّادِسَ عَشَرَ

آية الكرسي والتربية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ.

 

تُرَبِّي فِينَا آيَةُ الْكُرْسِيِّ تَحْقِيقُ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ صِدْقًا وَإِخْلَاصًا، فَهِيَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا عَشْرُ جُمَلٍ جَاءَتْ جَمِيعًا لِتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ لِلَّهِ، وَإِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَمَنْ أَرَادَ لِنَفْسِهِ السَّلَامَةَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَأَنْ يَفْتَحَ اللَّهُ لَهُ بَابَ الرِّضَا وَالْقَبُولِ، فَلَا يُقْدِمُ عَلَى عَمَلٍ حَتَّى يَخْلُوَ لَهُ مَعَ اللَّهِ خَلْوَةً؛ يَتَحَقَّقُ فِيهَا مِنْ إِخْلَاصِ مَقْصِدِهِ وَنِيَّتِهِ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

 

وَهَذَا الْمَقَامُ هُوَ سِرٌّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللَّهِ، لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِمُرَاقَبَةِ النَّفْسِ عَلَى الدَّوَامِ، وَتَصْفِيَتِهَا مِنْ شَوَائِبِ الْهَوَى، فَإِذَا قَامَتْ النَّفْسُ مَقَامَ صِدْقٍ مَعَ اللَّهِ لِمَدَاخِلِهَا وَمَخَارِجِهَا، ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ﴾ [الإسراء: 80]، تَحَرَّكَ الْقَلْبُ إِلَى مَوْلَاهُ، وَارْتَقَى عَلَى حظوظ النَّفْسِ وَدَوَاعِي الْهَوَى، فَعِنْدَهَا يَفُوز القلب الصادق بِإِخْلَاصِهِ إلى محراب الْخَلْوَةِ مَعَ اللَّهِ بِالْعِبَادَةِ إِخْلَاصًا وَمَحَبَّةً وَرَجَاءً، فَيَصْفُو الْقَلْبَ إِلَى اللَّهِ، وَلِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

 

وَهَذَا الْأَمْرُ يَحْتَاجُ إِلَى مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ وَمُكَابَدَةٍ فِي السَّيْرِ، وَلَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَتَدَرَّجُ بِمَنَازِلِهِ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ لَهُ بَابَ الرِّضَا وَالْقَبُولِ، إِنَّ أَعْظَمَ مَا يُعِيقُ الْعَبْدَ فِي سَيْرِهِ إلَى اللَّهِ خَرَابُ قَلْبِهِ مِنْ الْإِخْلَاصِ وَمَقَامِ التَّوْحِيدِ لِلَّهِ، فَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَجْرِي ظَاهِرُهُ عَلَى مِيزَانِ أَعْمَالِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ؛ مِنْ صَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَصَدَقَةٍ وَحَجٍّ وَعُمْرَةٍ.

 

لكن قلبهُ الَّذِي هو محل نظر الرب ﴿ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88-89]؛ لَا يَصْفُو فِي كُلِّ ذَلِكَ أَوْ فِي بَعْضِهِ مِنْ الْأَهْوَاءِ وَالْأَدْوَاءِ الَّتِي تُعِيقُهُ، وَتَكُونُ سَبَبًا فِي حِرْمَانِهِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ.

 

فَأَهْوَاءُ الْعُجْبِ وَحُبُّ الصَّدَارَةِ وَالشُّهْرَةِ وَالتَّسْمِيعِ وَالتَّلْمِيعُ مِنْ أَخَطَرِ مبطلات الأعمال؛ إِنَّ آيَةَ الْكُرْسِيِّ تُرَبِّي فِينَا أَنْ نَجْعَلَ حَيَاتَنَا كُلَّهَا لِلَّهِ، وَنُحَقِّقُ مَعْنَى (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)، حَقًّا وَصِدْقًا، وَقَدْ ظَهَرَ بِالْأَدِلَّةِ وَالْعِيَانِ أَنَّهُ لَا وُصُولَ إِلَى السَّعَادَةِ إلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ.

 

فَالْعَمَلُ بِغَيْرِ نِيَّةِ عَنَاءٍ، وَالنِّيَّةُ بِغَيْرِ إِخْلَاصٍ رِيَاءً، ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان:23].

 

فَاللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقًا وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ، وَأْرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
10 books every PR pro should read – PR Daily
Loved One Day? Here are David Nicholls' other books – Cosmopolitan UK