بركة عجيبة


بِرْكَةٌ عجيبة

في رحلة إلى الغابة رِفقة زملاء صفِّها، وبعد جولة قصيرة بين الأشجار الكثيفة، شحنت “فدوى” رئتيها كفايةً بالهواء النقي، وهي تستنشق الهواء المنعش كانت تستحضر المعلومة التي قرأتها في إحدى المجلات: “إن كيلومترًا مربعًا واحدًا من الغابة يطلق في اليوم الواحد حوالي عشرة أطنان من الأوكسجين …”، كانت لا تني تسأل نفسها، كيف سيكون الحال لو أنشأنا غابةً على مساحة عشرين كيلومترًا مربعًا؟ يا إلهي كم أطنانًا من الأوكسيجين ستكون طوع رئاتنا!

 

وفيما كان زملاء “فدوى” يمارسون هواياتهم المفضلة في جوٍّ مِلْؤه المرح والانشراح؛ هؤلاء يلعبون لعبة الاختفاء، وأولئك يتنافسون في معرفة أسماء النباتات والأشجار، وهاتان المفتونتان برؤية العصافير تتباريان في معرفة نوع الطير من خلال زقزقته، وذاك المولع بالتصوير، لا يخبو وميض عدسة تصويره إلا ليسْطَعَ من جديد، ملتقطًا منظرًا في غاية المتعة والغرابة – ارتأت “فدوى” أن تُسْنِدَ ظهرها إلى جذع شجرة أرز باسقة، واستغرقت في لحظة تأمل تتأمل ما حولها قبل أن تشرع في قراءة قصتها الجديدة، فجأةً شد انتباهها مشهد عجيب، فتح شهيتها للرسم، بسرعة أحضرت الأصباغ والفرشاة والورقة، وشرعت من جديد تُمْعِن النظر في المشهد العجيب، بعد طول تأمُّلٍ تهيَّأ لها أنها أمام شجرتين، إحداهما أكبر من الأخرى، تبدوان للناظر إليهما كشخصين متعانقين، وهي منهمكة في رسم الشجرتين المتعانقتين، عَنَّ لها خاطرٌ أن تقترب أكثر فأكثر منهما؛ لتتأكد من طبيعة عناقهما، فما كان منها إلا أن نهضت من مكانها لتدقِّق فيهما النظر، متمنيةً أن يكون عناقهما عناق محبة ووئام، لا عناق لَوعةٍ وفِراق، بعدما تفحصتهما مليًّا عادت إلى مكانها مُطَأطِئة الرأس بقلب يعتصره الألم، لقد لاحظت أن إحدى الشجرتين قد غُرِز في جذعها وتِدٌ، وأن أيامها في البقاء على قيد الحياة باتت معدودةً.

 

قبل أن تستأنف إتمام اللوحة التي بدأتها، ظلَّت “فدوى” للحظات واجمةً تتأسف لمصير الشجرة المسكينة، تحبس دموعها من التدحرج على خدِّيها الأسيلين، لكنها وهي تضع اللمسات الأخيرة على اللوحة، لم تتمالك نفسها فإذ بدمعتين حارتين تنزلقان متدحرجتين على خديها لتسقطا على اللوحة، فتمتزجا بالألوان مشكِّلَتَينِ بِرْكَةً عجيبةً.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
Books Gateway | American Diabetes Association
Book Club – Newsletters & Email Alerts – The Washington Post