تابع ثمرات الإيمان في الدنيا


الدرس الثلاثون: تابع ثمرات الإيمان في الدنيا

 

الحمد لله منشئ الموجودات، وباعث الأموات، وسامع الأصوات، ومجيب الدعوات، وكاشف الكربات، عالم الأسرار، وغافر الأوزار، ومنجي الأبرار، ومهلك الفجار، ورافع الدرجات، الذي علم وألْهَم، وأنعم وأكرَم، وحكم وأحكَم، وأوجب وألزم، ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ ﴾ [الشورى: 25].

 

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو علي كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه، وتمسك بسنته واقتدى بهديه، واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ونحن معهم يا أرحم الراحمين.

 

الثمرة السادسة: النصر على الأعداء:

هلا سألتم أنفسكم عباد الله عن سبب هزيمتنا وتسلُّط الأعداء علينا؟

الجواب في أبسط عبارة: أننا لم نحقق الإيمان، لم نحقِّق شرط النصر والتمكين، لهثنا خلف الغرب ومغرياته، وخذلنا الحق وأوليائه، فسلَّط الله عينا كلاب الأرض.

 

إننا لَمَّا حققنا الإيمان سخَّر الله لنا السِّباع، ولَمًا ضعُف إيماننا خُفنا من الجِرذان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ قال تعالى: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم:47].

 

فالنصر على الأعداء والظفر بهم من أهم ثمرات الإيمان في الدنيا، فما أهم هذه الثمرة وأحوجنا إليها اليوم ونحن نعيش في مرحلة من الهزيمة والذل لم تعهَدها أمة الإسلام، نسأل الله السلامة والعافية، وهذا النصر والظفر وعدٌ من الذي لا يخلف الميعاد؛ كما قال الشوكاني – رحمه الله -: “هذا إخبار من الله سبحانه بأن نَصره لعباده المؤمنين حقٌّ عليه، وهو صادق الوعد لا يُخلف الميعاد، وفيه تشريفٌ للمؤمنين، ومزيدُ تَكرمة لعباده الصالحين”[1].

 

ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَاد ﴾ [غافر:51] فهي بشارة لأهل الإيمان بالنصر على الأعداء، وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد:7].

يقول ابن الأثير: “فلما استوثقت الروم لنقفور، كتب إلى الرشيد: “من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب، أما بعد: فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ، وأقامت نفسها مقام البيدق، فحملت إليك من أموالها ما كانت حقيقًا بحمل أضعافها إليها، لكن ذلك ضعف النساء وحمقهنَّ، فإذا قرأت كتابي هذا فاردُد ما حصل لك من أموالها، وافتدِ نفسك به من المصادرة لك، وإلا فالسيف بيننا وبينك، فلما قرأ الرشيد الكتاب استفزه الغضب، حتى لم يقدر أحد أن ينظر إليه دون أن يخاطبه، وتفرَّق جلساؤه، فدعا بداوة، وكتب على ظهر الكتاب: “بسم الله الرحمن الرحيم”، من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، لقد قرأت كتابك يا بن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه، والسلام”، ثم سار من يومه حتى نزل هرقلة، ففتح وغنم وأحرق وخرَّب، فسأله نقفور المصالحة على خراج يحمله كل سنة، فأجابه إلى ذلك، فلما قفل راجعًا بلغه أن نقفور نقض العهد، فكر الرشيد راجعًا إليه وأقام في بلاده حتى شفى نفسه منهم، ولم يبرح حتى رضي وبلغ ما أراد[2].

 

الثمرة السابعة: الفوز برضا الله، قال الله عز وجل:

إخوة الإسلام، من عظيم ثمرات الإيمان بالله تعال أن ينال المسلم رضا الله تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 71، 72]، فنالوا رضوان الله ورحمته، والفوز بهذه المساكن الطيبة، بإيمانهم الذي كمَّلوا به أنفسهم، وكمَّلوا غيرهم بقيامهم بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فحصلوا على أعظم الفوز والفلاح.

 

الثمرة الثامنة: أن الله يدافع عن الذين آمنوا جميع المكاره، وينجيهم من الشدائد:

اعلم بارك الله فيك أن من عظيم ثمرات الإيمان أن الله تعالى يحفَظهم ويدفع عنهم جميع المكاره؛ قال الله – عز وجل -: ﴿ إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [سورة الحج: 38]؛ أي: يدافع عنهم كل مكروه، وشرَّ شياطين الإنس والجنِّ، ويدافع عنهم الأعداء، ويدافع عنهم المكاره قبل نزولها، ويرفعها أو يخفِّفها بعد نزولها؛ قال الله – عز وجل -: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الأنبياء: 87 – 88].

 

وقال – عز وجل -: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة يونس: 103].

 

وقال – سبحانه وتعالى -: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [سورة الصافات: 171 – 173].

 

وقال – عز وجل -: ﴿ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّه مَخْرَجًا ﴾ [سورة الطلاق: 2]؛ أي من كل ما ضاق على الناس، ﴿ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [سورة الطلاق: 4]، فالمؤمن المتقي يُيسِّر الله له أموره، ويُيسِّره لليُسرَى، ويجنِّبه العُسْرَى، ويُسهِّل عليه الصعاب، ويجعل له من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ويرزُقه من حيث لا يحتسب، وشواهد هذا كثيرة من الكتاب والسنة.

 

الثمرة التاسعة: أنه شرط صحة للأعمال الصالحة:

أخي المسلم، لابد أن تعلم أن جميع الأعمال والأقوال إنما تصح وتكمُل بحسب ما يقوم بقلب صاحبها من الإيمان والإخلاص؛ قال الله – عز وجل -: ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ﴾ [سورة الإسراء: 19]؛ أي: لا يُجحَد سعيُه، ولا يضيع عمله، بل يُضاعف بحسب قوة إيمانه، وقال – عز وجل -: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخرة وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ﴾ [سورة يونس: 9]، والسعي للآخرة هو العمل بكل ما يقرِّب إليها من الأعمال التي شرعها الله على لسان نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم.

 

عاشرًا: الانتفاع بالمواعظ من ثمرات الإيمان:

إخوة الإسلام، قال الله عز وجل: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الذاريات: 55]، وهذا لأن الإيمان يحمل صاحبه على التزام الحق واتباعه علمًا وعملًا، ومعه الآلة العظيمة، والاستعداد لتلقِّي المواعظ النافعة، وليس عنده مانع يَمنعه من قبول الحق، ولا من العمل به.

 

الحادي عشر: الإيمان بالله – عز وجل – ملجأ المؤمنين في كل ما يلمُّ بهم:

من سرور، وحزن، وخوفٍ، وأمنٍ، وطاعة، ومعصية، وغير ذلك من الأمور التي لابدّ لكل أحد منها، فعند المحابِّ والسرور يلجؤون إلى الإيمان، فيحمدون الله، ويُثنون عليه، ويستعملون النعم فيما يحبُّ، وعند المكاره والأحزان يلجؤون إلى الإيمان من جهات عديدة، يتسلَّون بإيمانهم وحلاوته، ويتسلَّون بما يترتَّب على ذلك من الثواب، ويقابلون الأحزان والقلق براحة القلب، والرجوع إلى الحياة الطيبة المقاومة للأحزان، ويلجؤون إلى الإيمان عند الخوف، فيطمئنون إليه ويزيدهم إيمانًا وثباتًا وقوةً وشجاعة، ويضمحلُّ الخوف الذي أصابهم؛ كما قال الله تعالى عن الصحابة – رضي الله عنهم -: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ الله وَالله ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [سورة آل عمران: 173 – 174].


[1] تفسير فتح القدير، (4/ 230).

[2] العبر في خبر من غبر (ص: 55) تاريخ الطبري (6/ 501) الكامل في التاريخ (25/ 57).





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
تقرير إخباري: القاهرة تشهد حدثا ترويجيا للنسخة العربية من كتاب “شي جين بينغ: حوكمة الصين”
مكتبه السلطان – فتاة غريبة الأطوار رواية مسموعة ~ سلسلة الأكثر مبيعاً ~ الجزء الثاني ~ حصريآ