حكم الصائم المسافر الذي أمسك في بلده، وأراد أن يفطر في بلد آخر عند غروب الشمس


حكم الصائم المسافر الذي أمسك في بلده

وأراد أن يفطر في بلد آخر عند غروب الشمس

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الواجب المتحتم على الصائم أن يمسك من بداية طلوع الفجر الصادق في المكان الذي يوجد فيه حتى تغيب عنه الشمس في المكان الذي يوجد فيه عند غروبها، سواء كان هذا المكان الذي بدأ فيه صومه أم لا؛ حيث أوجب الله تبارك وتعالى الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ومن المعلوم أن الشمس تغيب عن بقعة من الأرض لتطلع على بقعة أخرى، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 187]؛ أي: وكلوا واشربوا حتى يتبيَّن لكم ضياء الصباح من سواد الليل؛ بظهور الفجر الصادق، ثم أتمُّوا الصيام بالإمساك عن المفطرات إلى دخول الليل بغروب الشمس. ولا تجامعوا نساءكم أو تتعاطوا ما يفضي إلى جماعهنَّ إذا كنتم معتكفين في المساجد؛ لأن هذا يفسد الاعتكاف (وهو الإقامة في المسجد مدة معلومة بنيَّة التقرب إلى الله تعالى). تلك الأحكام التي شرعها الله لكم هي حدوده الفاصلة بين الحلال والحرام، فلا تقربوها حتى لا تقعوا في الحرام. بمثل هذا البيان الواضح يبين الله آياته وأحكامه للناس؛ كي يتقوه ويخشَوْه.

 

وإن من المقرر المعلوم أن من أركان الصيام الإمساك عن سائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ لقوله تعالى: ﴿ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187].

 

وفي الحديث عن عدي بن حاتم الطائي رضي الله تعالى عنه قال: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ﴾ [البقرة:187] عَمَدْتُ إلى عِقالٍ أسْوَدَ، وإلى عِقالٍ أبْيَضَ، فَجَعَلْتُهُما تَحْتَ وِسادَتِي، فَجَعَلْتُ أنْظُرُ في اللَّيْلِ، فلا يَسْتَبِينُ لِي، فَغَدَوْتُ على رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ له ذلكَ فَقالَ: «إنَّما ذلكَ سَوادُ اللَّيْلِ وبَياضُ النَّهارِ»؛ «رواه البخاري/ 1916».

 

وإن مما ينبغي أن يُعلم أن من شروط الصيام الإقامة: فلا يجب الصوم على المسافر؛ لقوله تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184]، وإن صام المسافر – وهو الأفضل – صحَّ صيامُه، ولكن يرخَّص له الفطر في حال سفره، ويجب عليه قضاء ما أفطره من أيام في شهر رمضان المبارك.

 

ولا شك أن من الأسباب والأعذار المبيحة للإفطار هو السفر، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184]،

 

وقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 185].

 

وفي الحديث عن عائشة أُمِّ المؤمنين رضي الله تعالى عنها: أنَّ حَمْزَةَ بنَ عَمْرٍو الأسْلَمِيَّ قالَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أأَصُومُ في السَّفَرِ؟ – وكانَ كَثِيرَ الصِّيامِ -، فَقالَ: «إنْ شِئْتَ فَصُمْ، وإنْ شِئْتَ فأفْطِرْ»؛ «رواه البخاري (1943)».

 

وضابط السفر الذي يُباح فيه الفطر للصائم هو السفر الطويل الذي يُباح له فيه قَصْر الصلاة. حتى وإن صام المسافر صحَّ صومُه؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: «كُنَّا نُسافِرُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ على المُفْطِرِ، ولا المُفْطِرُ على الصَّائِمِ»؛ «صحيح البخاري (1947)».

 

وبناءً ما تقدم ذكره، فإنه يحلُّ للصائم المسافر الإفطار، وضابط السفر الذي يُباح فيه الفطر للصائم هو السفر الطويل الذي يُباح له فيه قَصْر الصلاة. وإن صام المسافر صحَّ صومُه وقُبِل منه.

 

أما الصائم المسافر الذي يوجد في بلد في بداية الإمساك ويوجد في بلد آخر عند غروب الشمس، وأراد أن يفطر في بلد آخر حسب غروب شمس البلد الذي وصل إليه في سفره، فهو ملزم بالإفطار وقت غروب الشمس في البلد الذي يوجد فيه، حتى وإن كانت فترة صيامه أقصر من صيام البلد الذي سافر منه أو أطول، وإذا أفطر بتوقيت البلد الذي أمسك فيه، والشمس طالعة عليه في البلد الذي هو فيه يُعدُّ نقضًا للصيام ويجب عليه القضاء.

 

وفي حال أن لحقته مشقَّة يخاف منها ضررًا بناءً على تغيُّر الأوقات في البلدان، فيجوز له في هذه الحالة أن يفطر ذلك اليوم وعليه قضاء يوم مكانه.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
اغتنام العشر الأواخر بالأعمال الصالحة (خطبة)
أبناؤنا في رمضان