خطبة عن يوم عاشوراء


خطبة عن يوم عاشوراء

 

1- فضائل ومنزلة يوم عاشوراء.

2- مراتب صيام عاشوراء.

 

الهدف من الخطبة:

التذكير بموسم آخر من مواسم الخيرات والبركات؛ شهر الله المُحرَّم، وتذكير بفضائل يوم عاشوراء، والحث على صيامه.

 

أيها المسلمون عباد الله، إن من عظيم الأيام يومَ عاشوراء، وهو العاشر من شهر الله المُحرَّم، فهو يوم عظيم مبارك صالح، عظَّم الله شأنه، وأعلى منزلته، وجاء في فضله وفضل صيامه أحاديثُ عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

ذلكم اليوم العظيم الذي نجَّى اللهُ تعالى فيه موسى عليه السلام، وأغرق فرعون وجنده، وفرَّق فيه بين الحق والباطل، قَالَ تَعَالَى عَنِ الْحَدَثِ العظيم: ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ﴾ [الشعراء: 61 – 66]، وقال تعالى: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ [يونس: 90 – 92].

 

وقد صامه موسى عليه السلام وقومُهُ شكرًا لله تعالى، وصامه اليهودُ من بعده؛ فصامه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»، قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى عليه السلام فنحن نصومه، فقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «نحن أَحَقُّ وأولى بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

 

وفي رواية: «هذا يوم عظيم»؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، والذين آمنوا معه أولى الناس بالأنبياء السابقين؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 68]، فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو أحقُّ وأوْلَى بموسى من اليهود؛ لأنهم كفروا به وحرَّفوا وانحرفوا.

 

وقيل أيضًا: إنه اليوم الذي أنجى الله فيه نوحًا عليه السلام وقومَهُ، واستوت فيه السفينةُ على الجودي؛ كما في رواية الإمام أحمد وزاد: «وهو الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكرًا».

 

وهو يوم جليل قدره حتى عند أهل الجاهلية، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام فزاده فضلًا وقدرًا؛ فقد روى البخاري في صحيحه عن عائشةَ رضيَ اللّهُ عنها قالت: “كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ”، فكان صيامه في أول الأمر على الوجوب، ثم نُسِخ بفرض رمضان.

 

وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فضل صيام يوم عاشوراء بأنه يكفر ذنوب سنة كاملة؛ ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ».

 

وذكر ابن رجب رحمه الله في كتاب لطائف المعارف فيما لمواسم العام من وظائف، قال: “ومن أعجب ما ورد في عاشوراء أنه كان يصومه الوحش والهوام”.

 

وقد روي مرفوعًا: “أن الصُّرَد أول طير صام عاشوراء”؛ [أخرجه الخطيب في تاريخه، وقد روي ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه].

 

وروى عن أحد الزُّهَّاد قال: “كنت أفتُّ للنمل الخبز كل يوم، فلما كان يوم عاشوراء لم يأكلوه!”.

 

ومما يحثنا على صيام يوم عاشوراء:

1- عموم النصوص التي تبين فضل وثواب الصيام؛ فلو أنك تأملت النصوص في فضل الصيام لوجدت أنه يستوي فيها صيام النافلة وصيام رمضان.

 

فباب الريَّان لمن أكثر من الصيام فرضًا ونفلًا، وشفاعة الصيام كذلك، وغيرها من النصوص التي وردت في فضل الصيام، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا»، وعن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي بِأَمْرٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ، قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ؛ فَإِنَّهُ لا مِثْلَ لَهُ».

 

وغيرها من صور التكريم التي يحظى بها الصائم، فلم تفرق بين فرض أو نافلة.

 

2- متابعة واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في صومه ومداومته عليه مما جعل صيامه سنة مؤكدة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرَّى صوم يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء»؛ [رواه البخاري].

 

وعنه رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان، ويوم عاشوراء»؛ [رواه الطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات].

 

3- نصومه شكرًا لله؛ لأنه اليوم الذي أعزَّ الله فيه التوحيد، وأذلَّ الكفر وأهله بإعزاز نبيه موسى عليه السلام، وإذلال فرعون الذي عاند الله تعالى وجحد ربوبيته، ففي الحديث: «فَصَامَهُ مُوسَى عليه السلام شُكْرًا لله تعالى».

 

4- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع صيامه حتى مات، ويتأكَّد هذا بما رواه أحمد والنسائي عن حفصة رضي الله عنها: “أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع صيام يوم عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر”.

 

5- وقوع هذا اليوم في شهر الله المُحرَّم الذي يسن صيامه؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد صيام رمضان شهر الله المُحرَّم»؛ [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن].

 

6- ومما يحثنا على صيامه ما ورد في فضل صيامه من الأجر العظيم من تكفير ذنوب سنة كاملة؛ وكلنا في حاجة إلى هذه المغفرة في إدبار كل عام وإقبال آخر.

 

نسأل الله العظيم أن يعيننا على صيامه، وأن يغفر لنا ذنوبنا.

 

الخطبة الثانية:

مراتب صيام عاشوراء:

1- إفراده وحده بالصوم؛ فقد ورد فيه فضل عظيم كما تقدَّم؛ لكن كره بعض أهل العلم إفراده ورخص آخرون؛ قال ابن باز رحمه الله: “إن إفراده بالصوم مكروه للنهي عن التشبُّه باليهود”.

 

وقد وردت النصوص الكثيرة في النهي عن التشبه بالكفار والأمر بمخالفتهم؛ منها: «خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى»، «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر»، «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم»، «خالفوا اليهود والنصارى فإنهم لا يصلُّون في نعالهم ولا خفافهم».

 

ومنها النهي عن التطوُّع وقت طلوع وغروب الشمس لعدم مشابهة الكفار في السجود لها؛ بل بلغت مبالغة النبي صلى الله عليه وسلم في مخالفة اليهود أنهم قالوا عنه: “مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ”.

 

2- صيام يوم قبله: وهو اليوم التاسع وهذا الذي تمنَّاه النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعله إن عاش إلى العام القادم لكنه مات قبله.

 

قال بعض أهل العلم: ومن المستحب للمسلمين أن يجمعوا بين صيام اليوم التاسع مع يوم عاشوراء؛ وذلك لما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: “لمَّا صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنَّه يوم تُعظِّمه اليهود والنَّصارى فقال: «إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع»، قال: فلم يأتِ العام المقبل حتَّى توفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: «لئن بقيت إلى قابل لأصومَنَّ التاسع»، ولا تنس أن تنتوي بذلك مخالفة اليهود؛ لتحظى بالأجر بإذن الله تعالى.

 

3- صيام يوم بعده: وهو اليوم الحادي عشر؛ لئلا يفرده بالصيام وعدم مشابهة اليهود.

 

4- أما أكمل المراتب: فقد ذكر العلماء صيام يوم قبله ويوم بعده؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا عند أحمد وابن خزيمة وغيرهما، وحسنه بعض العلماء وضعَّفه آخرون: «صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، صوموا قبله يومًا وبعده يومًا))، وفي رواية: «أو بعده يومًا».

 

نسأل الله العظيم أن يعيننا على صيام يوم عاشوراء، وأن يجعلنا من المقبولين.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
Anatomy of a Challenge: A Book Ban in Leander, Texas Presaged a Pattern of Challenges Nationwide
مقتل السبط الثائر في يوم العاشر