خطبة عيد الفطر 1445هـ


خطبة عيد الفطر1445 هـ

الخطبة الأولى

الحمد الله الذي هدانا للإسلام، ومنَّ علينا بشهر الصيام، وأعاننا فيه على الصيام والقيام، وبلَّغنا منه التمام، أحمده على صفاته العُلَى، ونِعَمه التي لا تعدُّ ولا تُحصى.

والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعبده المجتبى، خيرِ من صلى وصام، وعلى آله وصحبه الكرام.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

أما بعد أيها المسلمون فإن هذا اليوم يومٌ عظيم يفرح فيه المسلم بإكمال شهر رمضان ويشكر الله تعالى على توفيقه فيه وإعانته على الصيام والقيام، كما قال تعالى: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185].

فهنيئًا لمن عَمَرَ أوقاته بالطاعات واجتنب فيه المعاصي والمنكرات، وَوُفِّق لقيام ليلة القدر، وكُتب من العتقاء من النار، نسأل الله تعالى أن يتقبل منِّا جميعًا صيامنا وقيامنا، ويتجاوزَ عن تقصيرنا وإهمالنا.

عباد الله: مَنْ كان قد أحسن في رمضان فليحمدِ اللهَ على إعانته توفيقه، وليحافظ على إحسانه، ومن كان مسيئًا فليبادر بالتوبة، فإن بابها مفتوح، والله يحب التوابين، ويَبسُطُ يَدَهُ بِالليل لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبسُطُ يَدَهُ بالنهار لِيَتُوبَ مُسِيءُ الليل، حتى تَطلُعَ الشمس من مغربها”.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله، أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون لئن انقضى شهرُ رمضان فإن حقَّ الله تعالى في العبادة باقٍ في جميع الشهور، فالدنيا كلها مزرعة للآخرة، وجميع ساعات العُمر ينبغي أن تكون معمورةً بالطاعة.

قيل لبشر الحافي: “إن قوما يتعبَّدون ويجتهدون في رمضان فقال: بئس القوم لا يعرفون لله حقًا إلا في شهر رمضان”.

وقال الحسن البصري: أيْ قومُ المداومةَ المداومة، فإن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت، وقرأ: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: 99].

أيها المسلمون حافظوا على هذا الصفاء والنقاء والخير الذي وفقتم له في شهر رمضان، فإن هذا الشهر مدرسة ينبغي أن يبقى أثرها طول العام.

حافظوا على الصلوات الخمس مع جماعة المسلمين في المساجد، فإن الصلاة عمود الإسلام، وثاني أركانه العظام، من حافظ عليها نجا وأفلح، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيَع، قال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة: 43].

احرِصوا على صيام ما تيسر من النوافل، فإن فضل الصيام عظيم، قال صلى الله عليه وسلم: “مَن صام يوما في سبيل الله باعَدَ وجهه عن النار سبعين خريفا”. أخرجه مسلم. وبادروا بصيام ستة أيام من شوال، فقد قال صلى الله عليه وسلم”من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر” أخرجه مسلم، وذلك أن الحسنة بعشر أمثالها فرمضان يعدل عشرة أشهر، وست شوال تعدل شهرين فهذه اثنا عشر شهرًا.

وللمسلم أن يصوم هذه الأيام مجتمعة أو متفرقة، ولكن الأولى أن يبدأ مَنْ كان عليه قضاءُ أيام من رمضان بصيام أيام القضاء، لأنه أبرأُ للذمة، وحتى يصدق عليه أنه صام رمضان.

فاحرصوا على صيام هذه الأيام الستة ورغِّبوا أولادكم بصيامها وأخبروهم بفضلها ولا تتركوا قيام الليل والوتر، ولو بركعات خفيفة قبل النوم أو بعد صلاة العشاء توترون بها، وأقلُّ الوتر ركعة.

واحذروا من هجر القرآن العظيم، فقد ورد الوعيد على من هجره، فاجعلوا لكم حِزبًا يوميًا تقرؤونه، وإن قلَّ، وختماتٍ في غير رمضان، قال صلى الله عليه وسلم “اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه”.أخرجه مسلم.

 

وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: “لو طهرت قلوبكم ما شَبِعَتْ من كلام الله، وما أحب أن يأتي عليَّ يوم ولا ليلة إلا أنظر في كلام الله، يعني في المصحف“.

 

واعلموا أن الصدقة مشروعة في جميع العام، فاتقوا النار ولو بشقِّ تمرة.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: يوم العيد يوم فرح وسرور، فأظهروا الفرحة والبهجةَ والبسمة، وتجمَّلوا وتطيَّبوا، وأدخِلوا السرور على الأهل والأولاد والأقارب، وأحسنوا إلى المساكين.

واحذروا من مخالفة شرع الله في احتفالاتكم واجتماعاتكم، فإن في الحلال غنيةً عن الحرام.

واحرصوا بارك فيكم على صلة الأرحام، وتهنئة الأصحاب والجيران، فإن هذا اليوم البهيج فرصةٌ لتقوية الروابط الاجتماعية وإشاعة المحبة وإزالة الشحناء والقطيعة، واعلموا أن الواصل حقًا هو الذي يصل من قطعة ويحسن إلى مَنْ ليس له معروف عليه ابتغاء ما عند الله، قال صلى الله عليه وسلم: “ليس الوَاصِلُ بِالمُكَافِئ، وَلكِنَّ الوَاصِلَ الَّذِي إِذا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا”. أخرجه البخاري.

ولذلك ينبغي للمسلم أن يبادر بالتهنئة ويسارع إلى الصلة، ولا يقولنَّ: الحقُّ لي، أو أنا الأكبر، أو الأفضل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “العارف لا يرى له على أحد حقًّا، ولا يشهد على غيره فضلًا، ولذلك لا يُعاتب، ولا يطالب، ولا يضارب”.

ومن كان بينه وبين أحد من أقاربه وأرحامه وجيرانه شيء فليبادر بالعفو والصفح، لعل الله أن يعفو عنه ويغفر لله، وسيجد العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 22]، وقال سبحانه وتعالى:﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى: 40].

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفورٌ الرحيم.

 

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

أيها المسلمون: اعلموا رحمكم الله أن من علامات القبول إتباع الحسنة الحسنة، وإن من الخسران أن يعود بعضُ الناس بعد رمضان إلى فعل المعاصي والتفريط فِي الْفَرَائِضِ، فعلى المسلم أن يستعين بالله ويجاهد نفسه هذه الأيام قبل أن تفتر نفسُه وتثقل عن الطاعة، والقليل من العمل مع المداومة عليه خير من الكثير الشاقِّ المنقطع، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تُطيقون؛ فإن الله لا يَمَلُّ حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دُووِم عليه وإن قل وكان آلُ محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملًا أثبتوه” متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ” يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل ” متفق عليه.

ومما يعين المسلم على لزوم الطاعة الاستعانة بالله تعالى، فاستعينوا بالله تعالى على طاعته ولازموا الدعاء المأثور الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم معاذَ بن جبل رضي الله عنه حينما أخذ بيده وقال: “يا معاذ، والله إنّي لأحبّك، أوصيك يا معاذ لا تدعنّ في دبر كلّ صلاة أن تقول: اللهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك”. أخرجه أبو داود والنسائي وصححه النووي.

ومما يعين على ذلك صحبة أهل الخير والطاعة، فاحرصوا على صحبة من يقرِّبكم إلى الله ويباعكم عن معاصيه، واحذروا مجالسة المضيعين للصلوات المتبعين للشهوات، وربُّوا أولادكم على صُحبة الْأَخْيَارِ وَمُجَالَسَة الصالحين فإن المرء على دين خليله.

الله أكبر الله أكبر. لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيتها المسلماتُ الكريمات أنتن شقائق الرجال ومربيات الأجيال وصانعات الأبطال، رفع الإسلام أمركن، وأوصى بالإحسان إليكن، فاتقين الله وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله، والزمن الحشمة والحياء، وقمن بحق البيوت الأزواج، وربِّين أولادكن من بنين وبنات تربيةً صالحة، واحذرن -رعاكن الله- من دعوات التبرج والسفور والفتنة والتمرِّد على القيم والأخلاق، فإن كرامة المرأة وعزتها وفلاحها في الدنيا والآخرة في تقواها وعفافها وحفظ بيتها وطاعة زوجها.

قال الله تعالى:﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب: 59]، وقَال صلى الله عليه وسلم: “إذا صَلَّتْ المرأَةُ خَمْسَهَا وَصامت شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأطاعَت زَوْجَهَا قيل لها ادْخُلِي الْجَنَّةَ من أَيِّ أبواب الجنة شِئْتِ”. أخرجه أحمد وابن حبان.

وقال صلى الله عليه وسلم: “وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ في بيت زوجها وَمَسْئُولَةٌ عن رَعِيَّتِهَا” متفق عليه.

فاحتسبن القيام بهذه الحقوق والواجبات، واعلمن أن صبركن ذلك عبادةٌ عظمية تؤجرن عليها.

الله أكبر الله أكبر. لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

اللهم اجعلنا ممن صام هذا الشهرَ وقامه إيمانا واحتسابا فغفرت له ذنبه، وكتبته من عتقائك من النار…



Source link

أترك تعليقا

مشاركة
Review: 'Firekeeper's Daughter,' By Angelline Boulley – NPR
ما قاله عبد الرحمن الأبنودى عن العيد فى كتاب "أيامى الحلوة" – اليوم السابع