خطر الإشاعة على المجتمع والحذر منها


خطر الإشاعة على المجتمع والحذر منها

 

الحمد لله الذي هدى عباده لطريق الحقِّ والرَّشاد، وأضلَّ بعدله أهل الغِواية والفساد، والصلاة والسلام على خير العباد، وعلى آله وصحبه وعنا معهم إلى يوم التناد؛ أما بعد أخي القارئ والمستمع الكريم:

فالإفك من القول مرضٌ وداء، يشيع الكذب ويشوِّه صورة المؤمنين والبُرَآء من الناس بحيلة ومكرٍ كبَّارٍ، ويجلب لصاحبه الشرور، وهو من حيلة الفجَّار، الذين يغرون أقرانهم من الأشرار، والإشاعة من هذا القبيل لها أثر خطير، وشر كبير، وأول إشاعة كانت في المجتمع الإسلامي حادثة الإفك التي أشاعها المنافق في عصر النبوة عبدالله بن أُبَيِّ بن سلول، ضد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حتى أنزل الله ببطلان هذه الإشاعة التي تكلم بها الكبير والصغير، والحر والعبد، والغني والفقير في عصر النبوة الزكِّيِّ، وأنزل الله في ذلك آيات تتلى إلى يوم القيامة، وأدَّب الله فيها المؤمنين، وعذَّب بها المنافقين الذين يخوضون في القول الباطل بلا بينة ولا برهان: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [النور: 11 – 13].

 

إن مما يدخل في الإشاعة إتيان الفُسَّاق بالأخبار الكاذبة، ونشرها بلا بينة ولا دليل، وهؤلاء حذَّر الله منهم بصريح الكتاب؛ حيث قال جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]، وهذا نوع من الكذب خطير، وهذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيط؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه لبني المصطلق لجلب صدقاتهم، وأنهم خرجوا يتلقَّون رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وحُدِّث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه، فرجع الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة، فغضِب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك غضبًا شديدًا، فبينا هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذا أتاه الوفد، فقالوا: يا رسول الله، إنا حُدِّثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق، وإنا خشينا أن ما ردَّه كتابٌ جاء منك لغضبٍ غضِبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فأنزل الله عذرهم في الكتاب بهذه الآية)).

 

ومما ورد أيضًا في عقوبة مطلِق الإشاعات الكاذبة ومفشيها بين الناس ما ورد في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه الطويل، وهو في صحيح البخاري؛ وجاء فيه: ((كان رسول الله مما يُكْثِر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قال: فيقص عليه من شاء الله أن يقص، وإنه قال ذات غداة: إنه أتاني الليلة آتيانِ، وإنهما ابتعثاني، وإنهم قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما – ثم ذكر أناسًا يُعذَّبون – ثم قال: فأتينا على رجل مستلقٍ لِقَفاه، وإذا آخر قائم عليه بكَلُّوب من حديد، وإذا هو يأتي أحدَ شِقَّيْ وجهه فيُشرْشَر شِدْقَه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيُفعل به مثلما فُعل بالجانب الأول، فما يُفرغ من ذلك الجانب حتى يصِحَّ ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيُفعل مثلما فُعل في المرة الأولى، قال: قلت: سبحان الله ما هذان؟ فأُجيب عليه الصلاة والسلام بعد ذلك بقوله: وأما الرجل الذي أتيتَ عليه يُشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكَذْبَة تبلغ الآفاق)).

 

والإشاعة إما أن تكون في أشخاص أو في أخبار، فإن كانت في الأشخاص فعذابها ونكالها أن يسكنه الجبار جل جلاله رَدْغَةَ الخَبال – وهي عصارة وصديد وقيح أهل النار – حتى يأتي بالمخرج مما قال؛ ففي سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((من حالت شفاعته دون حدٍّ من حدود الله، فقد ضادَّ الله، ومن خاصم في باطل وهو يعلمه، لم يَزَلْ في سخط الله حتى ينزِع عنه، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال، حتى يخرج مما قال))، وكفى بذلك عذابًا ونكالًا – أجارنا الله وإياكم – وهذا إذا لم يَشِعْ عنه، فكيف بالإشاعة عنه مما ليس فيه؟ لا شكَّ أن عقوبتها أشد وأغلظ.

 

وأما التي تكون في الأخبار، فتشملها النصوص الواردة في الكذب، والكذب قبيح العاقبة، سيئ المصير، فلنحذر فلنحذر يا إخواني من ذلك.

 

ومما ينبغي مراعاته عند ورود شائعة ما يلي:

الظن الحَسَنُ بأخيك المسلم عند ورود إشاعة باطلة، تبيَّن كذبها وإفكها؛ وذلك جليٌّ في قول الله تعالى في حادثة الإفك: ﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ﴾ [النور: 12].

 

وكذلك عدم المشاركة في نشرها ما لم يكن هناك دليل واضح على صحة الخبر، فيجب التريُّث والاستيضاح من كل ما يَرِد من أخبار، والنشر مشاركة تقوم مقام الكلام إذا كانت رسالة، وليتذكر العبد المسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكل ما سمع))، وهو حديث مرسل، وفي حديث صحيح آخر: ((كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع)).

 

قال النووي رحمه الله: “فإنه يسمع الصدق والكذب، فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب؛ لإخباره بما لم يكن، والكذب الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، ولا يشترط فيه التعمد”؛ [انتهى كلامه]؛ يعني لا يشترط فيه أنه لو عرف أن هذا كذب لم يتكلم به ولم يحدث به، ولكن كونه يتكلم ويحدث بكل ما سمع به، فهذا آثِمٌ بغض النظر عن كونه واقعًا أو غير واقع.

 

ومن ذلك الحذر من كلمة: زعموا أو يقولون، فإنها تدخل في الإشاعة، وقيل لأبي مسعود رضي الله عنه: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في “زعموا”؟ فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بئس مطِيَّة الرجل “زَعَمُوا”)).

 

والإشاعة في وقت الفتن ونشرها أشدُّ وأظْلَمُ؛ وفي الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((إياكم والفتنَ؛ فإن وَقْعَ اللسان فيها مثل وَقْعِ السيف)).

 

وأخيرًا يجب على الجميع أن يتلقى الأخبار من المواقع الرسمية والْمِنصَّات المعروفة، التي في الغالب تسلم من الكذب والتزوير، وخبرها أوثق وآكَدُ، ردَّ الله المكائد والشرور عن الإسلام وأهله في كل مكان، إنه سميع مجيب من عباده قريب، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
مكتبة الإسكندرية تُصدر كتاب «المتصوفة ومنشآتهم المعمارية في العصر الإسلامي» – الوطن
إصدار كتاب «متصوفة الإسكندرية ومنشآتهم المعمارية في العصر الإسلامي» – صدى البلد