دروس وعبر من غزوة أحد (1) (خطبة)


دروس وعبر من غزوة أحد (1)

 

الحمد لله الذي اصطفى لمحبته الأخيار، فصرف قلوبهم في طاعته ومرضاته آناء الليل وأطراف النهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مقلب القلوب والأبصار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الأطهار، وعلى جميع أصحابه الأخيار، ومن سار على نهجهم ما أظلم الليل وأضاء النهار.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

عباد الله: من وسائل النصر المبين والعزة والتمكين في الدنيا، والفوز في الآخرة الرجوع إلى سيرة وسنة الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- وكلما مر علينا رمضان تذكرنا غزوة بدر الكبرى، يوم انتصر الحق وأهله، وخذل الله الباطل وحزبه ووقفنا مع دروسها وعبرها، وكلما مر علينا شهر شوال تذكرنا غزوة أُحد، واليوم سنعيش وإياكم في هذه الدقائق الغالية معها نعيش في ظلالها، ونستلهم الدروس والعبر منها.

 

إنها الغزوة التي وقعت في الخامس عشر من شهر شوال من السنة الثالثة من الهجرة.

 

إنها الغزوة التي أنزل الله على إثرها آيات تُتلى إلى يوم الدين، فنزلت ثمانٍ وخمسون آية من سورة آل عمران، تتحدث عنها.

 

إنها غزوة أحد:

التي تعلّم منها المسلمون أنه ينبغي أن تكون الشدائد والمحن في كل زمان فيصلا لتمييز المؤمنين، وفضح المنافقين.

 

غزوة أحد:

التي فيها دروسًا للأمة جمعاء في حياتها ومعاملاتها، ولعل دروس النكبات والهزائم أعظم أثرا من غيرها في كل وقت وحين.

 

غزوة أحد:

مع ما وقع فيها من الشهداء والجروح، وما حوته من النوازل والأزمات، إلا أنه يصدق فيها قوله تعالى: ﴿ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾.

 

أول هذه الدروس أثر الذنوب و المعاصي في النصر والهزيمة:

في غزوة أُحد ظهر أثر المعصية والفشل والتنازع في تخلف النصر عن الأمة، فبسبب معصية واحدة خالف فيها الرماة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبسب التنازع والاختلاف حول الغنائم، ذهب النصر عن المسلمين بعد أن انعقدت أسبابه، ولاحت بوادره، فقال – سبحانه -:

﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا ومِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ولَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 152].

 

تأمل يا رعاك الله قول الحق سبحانه:

﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا كيف نُهزم وفينا رسول الله، كيف يقع بنا وقع في أُحد وفينا خير الخلق. قال تعالى مجيبًا عليهم: ﴿ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165].

 

وهم من هم صحابة رسول الله؛ فكيف ترجو أمة عصت ربها، وخالفت أمر نبيها، وتفرقت كلمتها أن يتنزل عليها نصر الله وتمكينه؟. وبالمعاصي تدور الدوائر، ففاضت أرواح في تلك الغزوة بسبب خطيئة.

 

عباد الله: أمةٌ لا تصلي الفجر لا تستحق النصر، ما دمنا متنازعين متقاطعين، كلٌ يحقد على أخيه ويتمنى زواله، وربما يقتله بسبب الثأر أو المماحكات السياسية والمذهبية والدنيا فعون الله ورحمته ونصره بعيدٌ عنا.

 

خرج أبونا آدم من الجنة بمعصيته، و«دخلت امرأة النار في هرة»، ما الذي أهلك الأمم السابقة وطمس الحضارات البائدة سوى الذنوب والمعاصي.

 

قال تعالى: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا ومِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ومِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ ومِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ومَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ولَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40].

 

المعاصي سبب كل عناء، وطريق كل شقاء، ما حلّت في ديار إلا أهلكتها، ولا فشت في مجتمعات إلا دمرتها وأزالتها، وما أهلك الله تعالى أمة من الأمم إلا بذنب، وما نجى وما فاز من فاز إلا بتوبة وطاعة.

 

قال تعالى: ﴿ ومَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].

 

رأيتُ الذنوب تُميتُ القلوب
وقد يُورث الذُل إدمانها
وتركُ الذنوبُ حياةُ القلوب
وخيرٌ لنفسك عصيانها

 

فالزم يا عبد الله الطاعة والعبودية، يؤخذ بيدك في المضايق، وتُفْرَج لك الشدائد.

 

الدرس الثاني من هذه الغزوة خطورة إيثار الدنيا على الآخرة:

وهذه الغزوة تعلّمنا كذلك خطورة إيثار الدنيا على الآخرة، وأن ذلك مما يفقد الأمة عون الله ونصره وتأييده، أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- خمسين من الرماة أن يبقوا على الجبل ليحموا ظهورهم، ولا يغادروا الموقع، وقال لهم: “ابقوا مكانكم حتى لو تخطفتنا الطير، لا تغادروا موقعكم“، فلما لاحت في أول المعركة بوادر النصر للمسلمين، قال الرماة: «أدركوا الناس ونبي الله، لا يسبقوكم إلى الغنائم، فتكون لهم دونكم» وقال بعضهم: «لا نبرح حتى يأذن لنا النبي -صلى الله عليه وسلم-» فنزلت: ﴿ مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا ومِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ﴾ [آل عمران: 152].

 

نعم إنها الدنيا، قد يبيع الإنسان دينه وخلقه من أجلها، يحب ويوالي ويناصر وربما يقاتل من أجلها؛ فتبًا لعبد الدنيا وشهواتها.

 

﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ ولَهْوٌ وزِينَةٌ وتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ والأَوْلادِ ﴾ [الحديد:20]

 

وقد حذر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أمته من الاغترار بالدنيا، والحرص الشديد عليها في أكثر من موضع، وذلك لما لهذا الحرص من أثره السيئ على الأمة عامة وعلى من يحملون لواء الدعوة خاصة.

 

الدرس الثالث ويتخذ منكم شهداء:

ومن الحكم والدروس إكرام الله بعض عباده بنيل الشهادة، التي هي من أعلى المراتب والدرجات.

 

الشهادة رتبةٌ عظيمة ومنزلةٌ عالية لا يُلقّاها إلا ذو حظٍّّ عظيم، ولا ينالها إلا من سبق له القدر بالفوز المقيم، وهي الرتبة الثالثة من مقام النبوة، كما قال تعالى: ﴿ ومَنْ يُطِعْ اللَّهَ والرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ والصَّالِحِينَ وحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء:69].

 

وقد صح في الحديث: “أن الشهيد لا يفضله النبيون إلا بفضل درجة النبوة“.

 

أيها المؤمنون: إن الشهداء أنواع لكن ليسوا في الرتبة سواء أعلاهم: الشهيد في سبيل الله، وهو من أهريق دمه وعقر جواده.ولهذا ذكر ابن حجر خمسة عشر نوعا للشهادة ومنها: المطعون الذي يموت بالوباء، والطاعون مثل كورونا إذا كان صابرا محتسبا فله أجر الشهيد، والحريق والغريق وصاحب الهدم، والمرأة تموت وهي تلد وغيرهم.

 

ولما علم المؤمنون أجر الشهيد، وما له عند الله من المنزلة العظيمة وان أقرب طريق إلى الجنة الشهادة طلبوها، بل بذلوا أنفسهم رخيصة في سبيل الله.

 

الشهيد أي شهيد إنه الذي يقاتل من أجل الله، ودين الله، وعرضه ووطنه، لا يقاتل من أجل فلان وآل فلان، أو الجهة الفلانية، ومن شهداء غزوة أُحد.

 

مصعب بن عمير رضى الله عنه:

كان من أنعم فتيان مكة شبابا وجمالا وتيها، وكانت أمه غنية كثيرة المال تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وأرقه، وكان أعطر أهل مكة، ولكنه آثر الآخرة على الدنيا، ولقد أثبت مصعب بن عمير أنه خير سفير للإسلام اعتمده النبي -صلى الله عليه وسلم- لدى أهل يثرب، فقد قام بمهمته خير قيام قُتل يوم أحد، ولم يترك إلا بردة، إذا غطوا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطوا رجليه بدا رأسه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «غطوا رأسه، واجعلوا على رجليه الإذخر» أي العشب.

 

ومن حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أُحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، فوقف عليه ودعا له ثم قرأ هذه الآية:

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه» [ المستدرك «3/ 200» صحيح الإسناد ووافقه الذهبي].

 

ومن الشهداء سعد بن الربيع رضى الله عنه:

لما انتهت معركة أحد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من رجل ينظر ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء هو أم في الأموات»؛، فقال أُبي بن كعب رضى الله عنه وفي رواية زيد بن ثابت رضى الله عنه: أنا أنظره لك يا رسول الله، فقال له: «إن رأيت سعد بن الربيع فأقرأه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-كيف تجدك؟ » فنظر أُبي فوجده جريحًا به رمق، فقال له: إن رسول الله يقرؤك السلام -صلى الله عليه وسلم- ويقول لك كيف تجدك؟، فقال: ” على رسول الله وعليك السلام، قل له: يا رسول الله اني أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عُذر لكم عند الله إن خلُص إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفيكم شَفْرٌ يطرف” قال: وفاضت نفسه وهو يهم ويفكر في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

ومنهم عبد الله بن جحش رضى الله عنه:

قال سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه: إن عبد الله بن جحش قال له يوم أحد: ألا تدعو الله، فخلوا في ناحية فدعا سعد فقال: يا رب إذا لقيت العدو، فلقِّني رجلًا شديدًا بأسه، شديدًا حرده، أقاتله ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله، وآخذ سلبه، فأمن عبد الله بن جحش، ثم قال: «اللهم ارزقني رجلًا شديدًا حرده، شديدًا بأسه، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا، قلت: من جدَع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول صدقت» قال سعد: كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرًا من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلقان في خيط وفي هذا الخبر جواز دعاء الرجل أن يقتل في سبيل الله، وتمنيه ذلك وليس هذا من تمني الموت المنهي عنه [زاد المعاد «3/ 212»].

 

ومن الشهداء حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حمزة بن عبد المطلب، وقد مثِّل به المشركون؛ فجدعوا أنفه وبقروا بطنه، وقطعوا أذنيه حزن حزنًا شديدًا، وبكى حتى نشغ من البكاء، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لولا أن تحزن صفية، ويكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلًا منهم»، فلما رأى المسلمون حزن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغيظه على من فعل بعمه ما فعل، قالوا: والله لئن ظفرنا الله بهم يومًا من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب(3)، فنزل قول الله تعالى: ﴿ وإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ولَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ [النحل: 126].فقال الحبيب بل اصبر. فعفا وصبر وكفَّر عن يمينه، ونهى عن المثلة.

 

ولما رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أحد سمع نساء الأنصار يبكين قتلاهن فقال: «لكن حمزة لا بواكي له» فبلغ ذلك نساء الأنصار فبكين حمزة فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم استيقظ وهن يبكين فقال: «يا ويحهن، مازلن يبكين منذ اليوم فليبكين، ولا يبكين على هالك بعد اليوم» وبذلك حُرّمت النياحة على الميت.

 

ومن الشهداء حنظلة بن أبي عامر -رضي الله عنه- «غسيل الملائكة»:

جاء في رواية الواقدي: وكان حنظلة بن أبي عامر تزوج جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول، فأدخلت عليه في الليلة التي في صبحها قتال أحد، وسمع منادي الجهاد يا خيل الله اركبي فترك زوجته – وكان قد استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيت عندها فأذن له، فلما صلى بالصبح غدا يريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاتل في أُحد -رضي الله عنه- حتى استشهد فوجد الصحابة رأسه يقطر منه الماء فاستغربوا فسألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فاسألوا أهله ما شأنه؟ » فسألوا صاحبته عنه فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فلذلك غسّلته الملائكة».

وفي رواية فقال -صلى الله عليه وسلم-: «إني رأيت الملائكة تغسله بين السماء والأرض بماء المزن، في صحاف الفضة».

عباد الله: بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

عباد الله: ومن شهداء أُحد عبد الله بن عمرو بن حرام -رضى الله عنه -:

رأى عبد الله بن عمرو رؤية في منامه قبل أحد قال: رأيت في النوم قبل أحد، مبشر بن عبد المنذر يقول لي: أنت قادم علينا في أيام، فقلت: وأين أنت؟ فقال: في الجنة نسرح فيها كيف نشاء، قلت له: ألم تُقتل يوم بدر؟ قال: بلى ثم أحييت، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذه الشهادة يا أبا جابر وقد تحققت تلك الرؤيا بفضل الله ومنه.

 

وقال لابنه جابر: «ما أراني إلا مقتولًا في أول من يقتل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإني لا أترك بعدي أعز علي منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن على دينًا فاقض واستوص بأخواتك خيرًا »، وخرج مع المسلمين ونال وسام الشهادة في سبيل الله، يقول جابر: لما قُتل أبي يوم أحد، جعلت أكشف عن وجهه وأبكي، وجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلمينهوني وهو لا ينهاني، وجعلت عمتي تبكيه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تبكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه» [البخاري رقم 1351].

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا جابر ما لي أراك منكسرًا؟ » قال: يا رسول الله، استشهد أبي وترك عيالًا ودينًا، قال صلى الله عليه وسلم: «أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ » قال: بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم يا جابر: «ما كلَّم الله أحدًا قط إلا من وراء حجاب، وكلم أباك كفاحًا، يا جابر أما علمت أن الله أحيا أباك فقال: يا عبدي، تمنَّ عليّ أعطك، قال: يا رب تحييني فأُقتل فيك ثانية، فقال الرب سبحانه: إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قال: يا رب.. فأبلغ من ورائي» [صحيح ابن ماجة للألباني، رقم 190 «2800»] فأنزل الله تعالى: ﴿ ولاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾[آل عمران: 169].

 

ومن الشهداء عمرو بن الجموح – رضى الله عنه-:

كان عمرو بن الجموح -رضي الله عنه- أعرج شديد العرج، قد جاوز الخمسين، وكان له بنون أربعة مثل الأُسْد يشهدون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المشاهد، وهم خلاد ومعوذ ومعاذ وأبو أيمن، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه، وقالوا: إن الله -عز وجل- قد عذرك، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلمفقال: إن بنيّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه وللخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أما أنت فقد عذرك الله تعالى فلا جهاد عليك» وقال لبنيه: «ما عليكم ألا تمنعوه، لعل الله أن يرزقه الشهادة» فخرج وهو يقول مستقبل القبلة: اللهم لا تردني إلى أهلي خائبًا فقتل شهيدًا.

 

وفي رواية أتى عمرو بن الجموح -رضي الله عنه-إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة، وكانت رجله عرجاء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «نعم» يوم أحد فمرَّ عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنّة” [ رواه أحمد وحسنه الألباني في كتابه أحكام الجنائز ].

 

اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك وبطاعتك عن معصيتك.

 

اللهم قوي إيماننا وارفع درجاتنا وتقبل صلاتنا يا رب العالمين.

 

هذا وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى وصحبه من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
الغنائم المحققة لزوال ما يضر بالدين (2)
حرف الصاد (نشيد للأطفال)