شذا الريحان في الثبات على طاعة الله بعد رمضان


شذا الريحان في الثبات على طاعة الله بعد رمضان

 

أما بعد: مضى رمضان، بالأمس القريب كان معنا، كنا نستنشق عطره، ونسعد في أفيائه، ونتقلب في ضروب نعمائه، بالأمس القريب كنا نغترف من بركاته، ونخوض في بحار حسناتـه، ونرجع كل ليلة بجرِّ الحقائب بما حملنا من خيراته، بالأمس القريب كنا نقطف من روضه زهور الإيمان، ونجد في رحابه الأنس والاطمئنان، كانت تحلق فيه الأرواح، وتطير من غير جناح، أين أقدام قد اصطَفَّت فيه لمولاها، حين دعاها للهو واللعب هواها؟ أين أعين جادت فيه بجاري دمعها، لمَّا تذكرت قبيحَ صنعها؟ أين قلوب حلَّقَت فيه بجناحين من خوف ورجاء، وسارعت إلى مرضاة ربِّها تلتمس النجاة، ولقد رأينا المساجد في رمضان قد مُلِئت عن بكرتها، فما أن مضى رمضان حتى قلَّت العزيمة وضعفت الهمم، فيا ترى هل يبقى الصائم بعد رمضان على ما كان عليه في رمضان أم أنه يكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا؟ كما قال رب العالمين سبحانه: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [النحل: 92]، فالله ينهانا أن نكون كهذه المرأة الحمقاء التي تنسج غزلها حتى إذا أبدعته وأحكمته نقضته، ثم عادت تغزل من جديد! وهذا- مع الأسف- حال أكثرنا في كل عام، يعمل ويجتهد في رمضان حتى إذا بلغ من الخير مبلغًا، وبدأ يحس طعم العبادة ولذة الخشوع، هدم كل ذلك بعد رمضان، فإذا جاء رمضان آخر شرع يبني من جديد، فلا يكاد يبلغ منزله الأول حتى ينتكس! وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما سأل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قوله تعالى: ﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ﴾ [البقرة: 266]، قال عن الآية: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: “أَيُّ عَمَلٍ؟” قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: “لِعَمَلٍ”، قَالَ عُمَرُ: “لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ، فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ”[1]، قال ابن كثير -رحمه الله-: “وفي هذا الحديث كفاية في تفسير هذه الآية، وتبيين ما فيها مِن المثل بعمل مَن أحسن العمل أولًا، ثم بعد ذلك انعكس سيره؛ فبدَّل الحسنات بالسيئات – عياذًا بالله مِن ذلك-، فأبطل بعمله الثاني ما أسلفه فيما تقدم مِن الصالح، واحتاج إلى شيءٍ مِن الأول في أضيق الأحوال فلم يحصل منه شيء، وخانه أحوج ما كان إليه؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ ﴾ [البقرة: 266] وهو الريح الشديدة، (فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ): أي أحرق ثمارها، وأباد أشجارها؛ فأي حال يكون حاله؟![2] فمَن حصَّل في رمضان الحسنات الكثيرة كهذا الغني -الذي ضرب به المثل في الآية- صاحب الجنة ذات النخيل والعنب -وخص النخيل والأعناب بالذكر لشرفهما وفضلهما على سائر الأشجار-، وله ذرية صغار ضعفاء مِن البنات والغلمان؛ فكانت معيشته ومعيشة ذريته مِن ذلك البستان، فلمَّا ضيَّع ما كان معه مِن الحسنات بعمل السيئات التي أضاعتْ عليه ثواب ما كان قدَّم في “رمضان” – كان حاله بذلك كحال صاحب هذا البستان عندما أصاب بستانه ريح فيها نار فأحرقته، فلم يعد يملك شيئًا، ولم يكن عنده قوة -لكبره- على أن يغرس شجره ثانية، ولم يكن عند بنيه خير فيعودون به على أبيهم، فافتقر عند أشد الحاجة للبستان وشجره؛ عند كبر سنه، وضعف ذريته، فيا له مِن مثل لمَن يعتبر! فيا ترى هل يبقى هذا الذي كان في رمضان صائمًا، وللقرآن تاليًا وقارئًا، وللصدقة معطيًا وباذلًا، ولليل قائمًا، وفيه داعيًا، هل يبقى على هذا بعد رمضان أم أنه يسلك الطريق الآخر- أعني طريق الشيطان- فيرتكب المعاصي والآثام وكل ما يغضب الرحيم الرحمن؟ إن ما يثير العجب أن تجد بعض الناس في رمضان من الصائمين القائمين والمنفقين والمستغفرين والمطيعين لرب العالمين، ثم ما أن ينتهي الشهر إلا وقد انتكست فطرته، وساء خلقه مع ربه؛ فتجده للصلاة تاركًا، ولأعمال الخير قاليًا ومجانبًا، وللمعاصي مرتكبًا وفاعلًا، فيعصي الله جل وعلا بأنواع شتى من المعاصي والآثام، مبتعدًا عن طاعة الملك القدوس السلام، فما الذي غرَّك بربك حينما رفعت نسبك وأنت من ماء مهين، وقد خرجت من مجرى البول مرتين، ورسول الله لا يدري ما يفعل به، عن خَارِجَة بْن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ امْرَأَةً مِن الْأَنْصَارِ بَايَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً، فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ»، فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: «أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ»، واليقين كما فسَّره أهل العلم وأهل التفسير: الموت، كما فسر ذلك فيما نقل البخاري عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم وعدد من التابعين؛ كـقتادة والحسن وعكرمة ومجاهد وسالم وغيرهم أن اليقين هو الموت، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي»، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ، لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا، قَالَتْ: وَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ فِي النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «ذَاك عَمَلُهُ يَجْرِي لَهُ»[3].

 

عباد الله، إن من علامة قبول الطاعةِ الطاعةَ بعدها، وإن من علامة قبول العمل الصالحِ الاستمرارَ عليه والمداومـة على أدائه، فقد قال بعض السلف: ثواب الحسنة الحسنة بعدها، قال شداد بن أوس: “إذا رأيتَ الرجل يعمل بطاعة الله، فاعلم أن لها عنده أخوات”، ولقد كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من ردِّه، وهؤلاء الذين وصفهم الله سبحانه بقوله: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60]، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ أَهُوَ الرَّجُلُ يَزْنِي وَيَسْرِقُ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ؟ قَالَ: «لَا يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ – أَوْ لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ – وَلَكِنَّهُ «الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ، وَهُوَ يَخَافُ ألا يُقْبَلَ مِنْهُ»[4]؛ لذا قال فضالة بن عبيد: لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحَبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها؛ لأن الله يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]، وكان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر، فيقال له: إنه يوم فرح وسرور فيقول: صدقتم، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملًا فلا أدري أيقبله مني أم لا، ورأى وهيب بن الورد أقوامًا يضحكون في يوم عيد فقال: إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين.

 

نماذج من ثبات السلف الصالح على الطاعة:

هذا نبينا صلى الله عليه وسلم كان مداومًا على العمل الصالح حتى لقي ربَّه جل في علاه، فعن عَائِشَةَ قَالَتْ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ أَوْ مَرِضَ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَي عَشْرَةَ رَكْعَةً. قَالَتْ: وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ، وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلَّا رَمَضَانَ”[5].

 

وكم هو جميل ثباتك يا ثابت البناني الذي كانت تسمع تلاوة القرآن من قبره، ورد عن الذي ألحده في قبره أنه قال: “أنا والذي لا إله إلا هو أدخلت ثابت البناني في لحده، فلما سوَّينا عليه اللبن سقطت لبنة، فإذا به يصلي في قبره، فقلت للذي معي: ألا تراه؟ قال: اسكت فلما سوَّينا عليه وفرغنا، أتينا ابنته فقلنا لها: ما كان عمل ثابت؟ قالت: وما رأيتم؟ فأخبرناها، فقالت: كان يقوم الليل خمسين سنة، فإذا كان السحر قال في دعائه: اللهم إن كنت أعطيت أحدًا الصلاة في قبره فأعطينيها، فما كان الله ليرد ذلك الدعاء”[6]، هذا الرجل الصالح ثبت عنه صلاة النافلة خمسين سنة، ويدعو الله أن يرزقه الصلاة في قبره، فأكرمه الله بذلك، ومن الناس اليوم من يتكاسلون عن تأدية الفريضة؛ منهم من يصلي في رمضان فقط فإذا مضى رمضان ينقطع عن الصلاة، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ليلة الإسراء والمعراج رأى قومًا ترضخ رؤوسهم- أي تكسر- ثم تعود كما كانت، فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة.

 

وهذا بلال رضي الله تعالى عنه ذلكم الصحابي الجليل الذي فاق بشديد سمرته الآفاق، وضربت له في الجنة الجبال الشهاق، ذلكم الصحابي الذي بلغ من الشرف في الدين الأعناق، يسمع النبي صلوات الله تعالى عليه تحريك نعليه في الجنة؛ لثباته على الصلاة بعد كل وضوء، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ: «يَا بِلَالُ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ»، قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ، قَالَ أَبُو عبدالله: دَفَّ نَعْلَيْكَ، يَعْنِي تَحْرِيكَ”[7].

 

في صحيح مسلم عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» [8]، وذلك أن الحسنة بعشرة أمثالها، فيكون صيام رمضان كصيام عشرة أشهر، وصيام الأيام الستة كصيام شهرين، فذلك صيام العام.

 

الخطبة الثانية

أما بعد: اعلموا يا عباد الله أن للمداومة على العمل الصالح فوائد عظيمة، منها: أن المداومة سبب لمحبة الله، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبي- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَلْتَمِسُ مَرْضَاةَ اللَّهِ، فَلا يَزَالُ بِذَلِكَ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجِبْرِيلَ: إِنَّ فُلانًا عَبْدِي يَلْتَمِسُ أَنْ يُرْضِيَنِي، أَلَا وَإِنَّ رَحْمَتِي عَلَيْهِ، فَيَقُولُ جِبْرِيلُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى فُلانٍ، وَيَقُولُهَا حَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَيَقُولُهَا مَنْ حَوْلَهُمْ، حَتَّى يَقُولَهَا أَهْلُ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ، ثُمَّ تَهْبِطُ لَهُ إلى الأَرْضِ”[9]، وَيَشْهَد لَهُ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة «وَلا يَزَال عَبْدِي يَتَقَرَّب إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ»؛ الْحَدِيث رواه البخاري.

 

ومنها: أن المداومة سبب للنجـاة من الشدائـد، وفي الحديث: «احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ»[10].

 

ومنها: أنها صفة عباد الله المؤمنين ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 23].

 

ومنها: أن المداومة سبب لحسن الختام، فعن عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا عَسَلَهُ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا عَسَلَهُ؟ قَالَ: «يُوَفِّقُ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا بَيْنَ يَدَي أَجَلِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ جِيرَانُهُ»، أَوْ قَالَ: «مَنْ حَوْلَهُ»[11]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، أما إنه يقبح بالمسلم أن يبني في رمضان صرح إيمانه، ويُجمِّله ويُزيِّنه، ثم إذا انقضى الشهر عاد فهدم ما بنى، وأفسد ما شيد!

 

عباد الله، ما أسرع ما ينقضي الزمن! وما أعجل ما تمضي الأيام! كنا بالأمس نستقبل رمضان ونحن اليوم قد ودَّعناه ونبكي على فراقه، وعما قريب تنقضي الأيام المقدرة، وتدنو الآجال المكتوبة، ويفارق المرء دنياه، غير حامل زادًا إلا زاد العمل الصالح، ولا لابس لباسًا إلا لباس التقوى، فأينا أعدَّ لذلك اليوم عدته، واتخذ له أهبته؟ فالله الله في ساعة لا شك في مجيئها، واجعلوا في تصرم شهركم عبرة تذكركم بتصرم عمركم.


[1] صحيح البخاري، الجزء 6، حديث رقم 4538.

[2] تفسير ابن كثير، الجزء 3، صفحة رقم 256.

[3] صحيح البخاري، الجزء 2، حديث رقم 1443.

[4] سنن ابن ماجه، الجزء 2، حديث رقم 4198، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، الجزء1، حديث رقم 162.

[5] صحيح مسلم، الجزء 2، حديث رقم 1778.

[6] أهوال أهل القبور للحنبلي، الجزء 1، صفحة رقم 32.

[7] صحيح البخاري، الجزء 2، حديث رقم 1149.

[8] صحيح مسلم، الجزء 3، حديث رقم 2815.

[9] مسند أحمد، ط الرسالة، الجزء 37، حديث رقم 22401، وقال أحمد: إسناده حسن، وقال عنه الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.

[10] مسند أحمد، ط الرسالة، الجزء 5، حديث رقم 2803.

[11] صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، الجزء3، حديث رقم 3358.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
العتبة العباسية تصدر كتاب “تجويد القرآن” وتواصل برنامج “عرفاء المنصة”
Blue Beetle Director Angel Manuel Soto Breaks Down THAT Post-Credit Scene (Exclusive)