صحتك في المشي.. لماذا؟


صحتك في المشي.. لماذا؟

 

لم يكن الإنسان على مدى تاريخ البشرية أكثر خمولاً وأقل حركة مما أصبح عليه في السنوات الخمسين الأخيرة؛ إذ تزامن ضعف النشاط البدني مع تطوُّر وسائل التقنية والرفاهية التي نعمت بها الإنسانية، خاصَّة في مجال الاتصالات والمواصلات.

 

ومع ما أسهم به التقدم السريع للمجتمعات الحديثة من إيجابيات، فإن هذه الرفاهية والراحة والخمول المفرط أدَّت إلى ظهور وانتشار الأمراض التي نطلق عليها أمراض العصر أو أمراض النمط المعيشي؛ كالسمنة، والداء السكري، وأمراض الشرايين (جلطة القلب والدماغ)، وارتفاع ضغط الدم، وهشاشة العظام، والسرطانات، وغيرها، وهذه المشكلات تزداد انتشارًا بطريقة تدعو إلى القلق؛ لا لأنها تصيب فقط نسبة عالية من الناس، بل لأنها بدأت تظهر أيضًا في أعمار مبكرة من المفترض أن تكون هي سن الإنتاج الكثير في عمر الإنسان.

 

لقد أصبحت قلة النشاط البدني مشكلة تتسارع في الانتشار، وخصوصًا في المجتمعات التي تقدَّمت سريعًا، فقد أصبح الإنسان معتمدًا على الآلة، ونقص اعتماده على نشاطه البدني، وبذلك فَقَد الإنسان إحدى أهم وظائفه وهي الانتقال بجهده من مكان إلى آخر.

 

نظرتنا إلى الصحة:

يمكن إعادة النظرة إلى الصحة على مستوى الفرد على أنها مخزون يمكن أن يضيف إليه الإنسان ويسحب منه، فإذا ما اعتاد الإنسان على إرهاق جسمه بالمأكولات الدهنية والسكرية، واعتاد على توقيت ونوعية سيئة من النوم؛ فإنه بذلك يكون قد سحب من رصيد صحته، وبالمقابل إذا ما تناول طعامًا متوازيًا، وحصل على قسط كافٍ من الراحة والنوم الجيد، فإنه بذلك يكون قد زاد من رصيده الصحي، وإذا أراد الإنسان رفع رصيده من الصحة، فإن ذلك لا يكتمل إلا بممارسة أحد أهم معزِّزات الصحة، ألا وهو ممارسة النشاط البدني، وذلك لما فيه من مميزات وفوائد.

 

والغالبية من الناس – وبرغم معرفتهم بفوائد النشاط البدني – ما زالوا بعيدين عن المشي ممارسة وثقافة، فثقافة المشي والنشاط البدني ضعيفة في مجتمعاتنا، ونحن بحاجة إلى نشر هذه الثقافة، وتعزيز ممارستها عمليًّا.

 

لماذا المشي؟

وبمراجعة أنواع النشاطات البدنية لاختيار الرياضة التي يمكن أن يوصى بها لتحسين الصحة العامة لأكبر قدر ممكن من الناس، نجد أن المشي هو الرياضة المثالية التي يمكن التوصية بها للجميع، ومن بين بقية الرياضات يتميز المشي بما يلي:

أولاً: سهولة ممارسته في أي وقت ومكان.

 

ثانيًا: لا يحتاج بالضرورة إلى زي خاص.

 

ثالثًا: لا يحتاج إلى تجهيزات أو معدات خاصة.

 

رابعًا: المشي المتواصل من حيث السرعة يحقق معدلاً أكبر اتساقًا لضربات القلب، مقارنة بالرياضات الأخرى التي ترتفع وتنخفض فيها ضربات القلب.

 

خامسًا: لا يحتاج إلى وقت للتحضير للبدء فيه.

 

سادسًا: مناسب للذكور والإناث على حدٍّ سواء ولجميع الأعمار.

 

سابعًا: يمكن أن يمارَس بصفة فردية أو جماعية.

 

ثامنًا: كما يمتاز بخُلُوِّه من الإصابات.

 

تاسعًا: المشي رياضة شعبية يسهل العمل على رفع الوعي بها للجميع.

 

الفوائد الصحية العامة للمشي:

إن فوائد المشي على أنسجة وأعضاء وأجهزة الجسم تتداخل بصفة شاملة، وتؤدي إلى مجموعة من الآثار الإيجابية على الصحة العامة للإنسان؛ فالمشي يقي – بإذن الله تعالى – من العديد من الأمراض مثل أمراض القلب، ويقلل مخاطر الإصابة بأمراض السكري، كما يقلل مخاطر الإصابة بأمراض السمنة مقارنةً بنمط المعيشة الخامل، كما يقلل مخاطر الإصابة بالأمراض النفسية والوحدة.

 

ويقلل المشي المنتظم من احتمالات الإصابة بالسُّمنة وارتفاع ضغط الدم، كما أنه يؤخِّر ظهور أعراض الشيخوخة ومشكلاتها الصحية، ويخفض الوزن المثالي للجسم، ويقلِّل الشهية للأكل – خاصة لدى البُدناء – وينظم عملية الهضم والتبول، كما يخفض المشي المنتظم نسبة الكولسترول الضار، ويرفع نسبة الكوليسترول المفيد، بذلك يقي من تصلُّب الشرايين وحدوث جلطات القلب والدماغ – بإذن الله – ويعطي الانتظام على المشي الجسم شكلاً متناسقًا بسبب اشتداد عضلات جدار البطن وعضلات الظهر، ويظهر الشخص أصغر من عمره الحقيقي، كما تدلُّ التجارب على أن المشي يرفع الطاقة والشعور بالسعادة.

 

ويأتي الشعور بالسعادة وتحسُّن المزاج في المشي المنظَّم من عِدَّة مصادر؛ منها: زيادة إفراز هرمونات الإندورفينات التي يسميها العلماء هرمونات الشعور بالسعادة، كما ينتج عن تحسُّن الدورة الدموية وتروية الدماغ بمعدلات أكبر.

 

وقد بيَّنت الدراسات أن ضعف النشاط البدني وزيادة الوزن مجتمعين يحدِّدان ما يقارب من خُمس إلى ثلث أمراض السرطان، وبالذات سرطان المريء، وقد ثبتت العلاقة الإيجابية بين النشاط البدني والرياضة المنتظمة وبين الوقاية من أمراض السرطان؛ مثل: سرطان الجهاز الهضمي، وسرطان البنكرياس، وسرطان الثدي لدى النساء.

 

ويؤدي النشاط البدني على المدى القريب إلى تخفيض ضغط الدم، ويستمرُّ هذا الأثر لعِدَّة ساعات بعد انتهاء التمرين الرياضي، وتبدأ هذه الفائدة في الظهور بعد أسبوعين فقط من المشي المنتظم، ومن فوائد المشي تأخير ضمور العضلات وضعف العظام وهشاشتها، وتحسين مرونة المفاصل، وانتظام التنفس.

 

أما آثار المشي المنتظم الفسيولوجية والنفسية على كبار السن، فيمكن تلخيصها فيما يلي:

يحسن نوعية النوم ويزيد من زمنه.

 

ينظم معدل السكر في الدم.

 

يحافظ على مرونة المفاصل والعضلات.

 

يحفظ التوازن، ويقلل من احتمالات السقوط.

 

يزيد من القدرة على الحركة السريعة.

 

يحسن المزاج العام، ويزيد الشعور باللياقة العامة.

 

يقلل الآثار الناتجة عن التقدُّم في العمر على الجهاز العصبي المركزي، ويقوي الذاكرة.

 

يحسن الحياة الاجتماعية من خلال المشي في مجموعات ويمكِّن الكبار من المشاركة في النشاطات الاجتماعية.

 

وأهم من كل ذلك أن نعرف أنه لم يَفُتِ الأوان على أي شخص قادر على المشي أن يمارس رياضة المشي، وأن يبدأ نظامًا للمشي، وأنه يمكن أن يستعيد نشاطه ولياقته خلال مُدَّة قصيرة.

 

ومن السهل اكتساب العادة إذا اتَّبع الإنسان نظامًا ينقله من الخمول التام إلى المشي لمدة ساعة يوميًّا، على أن يتمَّ ذلك خلال 8- 12 أسبوعًا، ثم يصبح المشي من عاداته اليومية واجبًا ملزمًا.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
صلة الرحم والتحذير من قطيعتها
ليلة هي من أقسى ليالي الدنيا