صلاة الجمعة وخطبتها


صلاة الجمعة وخطبتها

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

لقد شرَع الله للمسلمين الاجتماعَ في يوم الجمعة؛ لأداء صلاة الجمعة في المسجد الجامع، يجتمع فيه سكانُ الحي، فيتعارفون ويتآلفون، ويسلِّم بعضهم على بعض، وتتكوَّن فيما بينهم أسبابُ المحبة والإخاء والمودة، وجعل الله الجمعةَ إلى الجمعة كفارةً لما بينهما إذا اجتُنبتِ الكبائر، وشرع للإمام بهذا الاجتماع أن يخطب بهم خطبةً تناسب الحال، وتعالج المشاكلَ الحادثة في أثناء الأسبوع الماضي؛ لذا ينبغي للخطباء – وفَّقهم الله – أن يراعوا المناسبات في خطبهم؛ ليكون لها وقعٌ وفائدة ملموسة.

وقد أوجب الله على المؤمنين الإنصاتَ والاستماع للخطبة، وحرَّم الكلام والإمامُ يخطب؛ ليتجه السمع والبصر، والعقل والفكر إلى الخطبة، فيتأثر السامع بما يسمع من أمرٍ ونهي، ووعدٍ ووعيد، وترغيبٍ وترهيب، وحلالٍ وحرام؛ لهذا ينبغي للخطيب أن ينتهز الفرصةَ في الدعوة إلى الله، والحث على فعل الواجبات والمستحبَّات، وترْك المحرَّمات والمكروهات، وأن يشيد بمحاسن الإسلام، وشُعب الإيمان، وحقوق المسلم على أخيه المسلم، وأن يذكِّر بأحكام العبادات والمعاملات ما يحلُّ منها وما يحرم، والعقائد والأخلاق والآداب الإسلامية، وأن يُعنى بالتحذير من المعاصي المتفشية بين الناس حتى استحلَّها أكثرهم، وخصوصًا كبائر الذنوب التي ورد فيها حدٌّ في الدنيا، أو وعيدٌ في الآخرة، أو لُعِنَ فاعلُها، أو ورد فيها وعيد بالنار، أو نفي إيمان؛ كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر، والربا، وقطيعة الرحم، وعقوق الوالدين.

والجمعة تجمع أقوامًا قد لا يحضرون الصلاةَ في المساجد إلا يوم الجمعة، فهي فرصة ثمينة للإمام والمأمومين، كما ينبغي للخطباء مراعاةُ هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خُطَبه، وكان إذا خطب احمرَّتْ عيناه، وعلا صوتُه، واشتد غضبُه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبَّحكم أو مسَّاكم.

قال ابن القيم – رحمه الله – في “زاد المعاد في هدي خير العباد” جـ1: “وكان مدارُ خطبه صلى الله عليه وسلم على حمْد الله، والثناء عليه بآلائه وأوصاف كماله ومحامده، وتعليم قواعد الإسلام، وذِكر الجنة والنار والمعاد، والأمر بتقوى الله، وتبيين مواقع رضاه، وموارد غضبه، فعلى هذا كان مدار خطبه، وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجةُ الناس، ويكثر الذكر، ويقصد الكلمات الجوامع، وكان يقول: ((إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته – مئنةٌ من فقهه؛ فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة))[1]، وكان يعلِّم أصحابَه في خطبته شرائعَ الإسلام وقواعدَه، ويأمرهم وينهاهم إذا عرض له أمرٌ أو نهي، كما أمر الداخلَ وهو يخطب أن يصلي ركعتين، ونهى المتخطي رقاب الناس عن ذلك، وأمَرَه بالجلوس، وكان يفتتح خطبَه بالحمد، ويختتمها بالاستغفار، وكان كثيرًا ما يخطب بالقرآن”[2].

هذا، وبالنظر إلى أن أكثر الخطباء لا يستطيعون إنشاءَ الخطب؛ فإنني أقترح على وزارة الحج والأوقاف ورئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد: أن يكلِّفوا لجنة من ذوي الكفاءة والعلم والمعرفة والقدرة، بتأليف خطب تناسب العصر الحاضر، ثم تطبع وتوزع على الخطباء؛ عملاً بقول الله – تعالى -: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة: 2].

والله ولي التوفيق.


[1] رواه أحمد ومسلم.

[2] انظر هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه في “زاد المعاد”، لابن القيم، 1/ 186، و425.



Source link

أترك تعليقا

مشاركة
Books – Farnam Street
Explore books – IET – Institution of Engineering and Technology