طلاق لأسباب تافهة
♦ الملخص:
امرأة تشكو زوجها الذي يصر على تطليقها؛ متَّهمًا إياها بعداوته وخداعه، وتسأل: ما الحل؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم، زوجي يريد تطليقي لأسباب تبدو تافهة، وغير مقنعة؛ إذ يتهمني بالكذب والخداع، ومعاملته بعداوة، وأنا لست من ذلك في شيء، وقد أرسلني إلى بيت أهلي، ويصر على الطلاق، فماذا أفعل؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: أعظم سبب وأقواه لتفريج كربتكِ هو أنه يجب أن تستحضري عظمة الله سبحانه وقدرته على كشف كربتكِ؛ كما قال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62]، ثم تجأري بالدعاء وأنتِ واثقة بقدرة الله سبحانه على كشف كربتكِ، وفي أثناء الدعاء توسَّلي إلى الله سبحانه أولًا بأسمائه الحسنى، كأن تقولي: يا رحمن يا رحيم، يا ذا الجلال والإكرام، يا مجيب دعوة المضطر، ثم تتوسلي إلى الله عز وجل بصالح أعمالكِ؛ مثل: إيمانكِ بالله سبحانه وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وبحبكِ لله عز وجل، وبحبكِ لنبيه صلى الله عليه وسلم، وببرِّكِ لوالديكِ، وغيرها من الأعمال التي ترجين أنكِ عملتِها خالصة لوجه الله عز وجل.
ثانيًا: أكْثِري من الاسترجاع؛ فهو علاج عظيم القدر والأثر؛ وهو كما ورد في قوله سبحانه: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 – 157].
وكما ورد في الحديث عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبدٍ تُصيبه مصيبة، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجِرْني في مصيبتي، وأخْلِف لي خيرًا منها، إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها، قالت: فلما تُوفِّيَ أبو سلمة، قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيرًا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم))؛ [مسلم].
ثالثًا: أكْثِري من الاستغفار والتوبة، فربما أن ما أصابكِ بسبب ذنب وقعتِ فيه، أو استهزاء حصل منكِ، وحتى لو كان لم يحصل منكِ شيء من ذلك، فالله سبحانه جعل الاستغفار سببًا للرزق وتفريج الكرب؛ قال سبحانه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 11، 12].
يقول أحد السلف: “إني لأعصي الله فأرى ذلك في خُلُقِ زوجتي ودابتي”.
رابعًا: تصدَّقي ولو بالقليل؛ فالصدقة إحسان، وتفريج كربة، والمحسن يُحسِن الله إليه، وهي من أسباب إجابة الدعاء.
خامسًا: لا تزكِّي نفسكِ وتفقَّدي سلوككِ مع زوجكِ، فربما تغيظينه إغاظة شديدة بتصرفات وكلام غير مناسبين، وأنت لا تهتمين بهما؛ ولذا فحاسبي نفسكِ على أخطائكِ، واعتذري له منها.
سادسًا: إن لم توجد أسباب وجيهة للطلاق، أو كنتما تعيشان في سعادة وهناء، وفجأة تغيَّر عليكِ زوجكِ وكرهكِ، فيوجد احتمال أن يكون ذلك بسبب من حسد أو غيره، فلعلكِ كنتِ تُثنين عليه كثيرًا في مجالس النساء، فيَحْسُدْنَكِ، أو لعل زوجكِ هو الذي كان يثني عليكِ كثيرًا عند أصدقائه فحُسد فيكِ؛ ولذا فاقرئي على نفسكِ بنفسكِ بالرقية الشرعية.
سابعًا: من الحلول الشرعية العظيمة ما ذكره الله سبحانه في الآية: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء: 35].
فوسِّطوا عقلاء من العائلتين للإصلاح بينكما، ولسؤاله عن سبب عزمه على تطليقكِ، ولحثِّه على إعطائكِ على التراجع عن عزمه، وعلى منحكِ فرصة للتغيير.
ثامنًا: وفي النهاية اعلمي يقينًا أنه لن يحصل إلا ما كتبه الله سبحانه؛ لقوله عز وجل: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22، 23].
تاسعًا: واعلمي أن ما يختاره الله لكما هو الخير الأكيد؛ لقوله عز وجل: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].
عاشرًا: إن بعد بذل كل الأسباب السابقة أصَرَّ على الطلاق؛ فلا تجزعي، وأيقني بلا أدنى شكٍّ أن هذا هو الخير لكما، وأن الله سبحانه سيعوضكِ بخير منه إذا صبرتِ واسترجعتِ.
حفِظكما الله، وأعاذكما من نزغات الشيطان، وألَّف بين قلبيكما.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.