فضل الأمة المحمدية (خطبة)


فضل الأُمَّة المحمدية

الحمد الذي يخلق ما يشاء ويختار، خَلَقَ الخَلْقَ فصوَّرهم وعدَّلهم، وبحكمته اختار بعضًا منهم ففضَّلهم، وجعلنا خيرَ أُمَّة أُخرجت للناس، يفعل ما يريد، لا بمقتضى تدبير الخلق والقياس، وقدَّم نبينا محمدًا على كل نبي دبَّر وسَاسَ، فسبحان من أجزل له العطاء، وكرَّمه فجعله خير نبي أرسله، وقال لأمته: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [البقرة: 143].

 

أحمَده حمدًا يدوم بدوام اللحظات والأنفاس، وأصلي على رسوله محمد الذي شرعه مستقر ثابت الأساس، وعلى صاحبه أبي بكر الثابت العزمُ وقد ارتدَّ الناس، وعلى عمر قاهر الجبابرة الأشواس[1]، وعلى عثمان الصابر يوم الشهادة على مرير الكاس، وعلى عليٍّ أهدى الجماعة إلى نصٍّ أو قياس، وعلى عمه وصنو أبيه العباس؛ أما بعد أيها الكرام:

فإن من فضل الله علينا أنْ فضَّلنا على جميع الناس، واجتبى أُمَّتنا ففضَّلها على سائر الأمم، فأُمَّتنا أمة ميمونة مرحومة، فهي أكرم الأمم على الله وأفضلها، ومن أفضل هذه الكرامات التي أكرمنا الله بها أنْ أرْسَلَ إلينا خير رسله وأفضلهم؛ نبيَّنا محمدًا.

 

ومما زادني شرفًا وتِيهًا
وكِدتُ بأَخْمَصي أطأ الثُّرَيَّا
دخولي تحت قولك يا عبادي
وأن صيَّرت أحمدَ لي نبيَّا

 

فارفع رأسك – أيها المسلم – أن اجتباك ربك، فَجَعَلك من هذه الأمة الكريمة المباركة، واسجد لربك شكرًا على هذه النعمة العظيمة، ولا يفتُرَنَّ لسانك عن حمد ربك على هذه الكرامة الكبرى.

 

واسمح لي – أيها الكريم المكرَّم – أن أسوق لك بعض الكرامات التي كرم الله بها هذه الأمة المباركة:

من فضائل الأمة المحمدية:

أُمَّتنا شاهدة يوم القيامة على الناس:

قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].

 

ومعنى الآية: إنما حوَّلناكم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم؛ لأن الجميع معترفون لكم بالفضل، والوسط ها هنا: الخيار والأجود… ولمَّا جعل الله هذه الأمة وسطًا، خصَّها بأكمل الشرائع، وأقوم المناهج، وأوضح المذاهب[2].

 

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُدعى نوح يوم القيامة، فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلَّغتَ؟ فيقول: نعم، فيُقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فتشهدون أنه قد بلغ: ﴿ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143]، فذلك قوله جل ذكره: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143]، والوسط: العدل))[3]، فمن فضائل هذه الأمة أنه ما من نبيٍّ كذبه قومه، إلا ونحن نشهد أنه قد بلغ رسالة ربه عز وجل.

 

أول الأمم دخولًا الجنة:

ومن هذه الفضائل والكرامات أن أُمَّتنا أول من يُحاسَب يوم القيامة، وأول من يجوز على الصراط، وأول الأمم دخولًا الجنة؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نحن الآخِرون الأوَّلون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة، بيد أنهم أُوتوا الكتاب من قبلنا، وأُوتيناه من بعدهم، فاختلفوا، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه، هدانا الله له – قال: يوم الجمعة – فاليوم لنا، وغدًا لليهود، وبعد غد للنصارى))[4].

 

أُمَّتنا خير الأمم:

خصَّ الله هذه الأمة بالخيرية؛ فهم خير الأمم عند الله، وخير أمة وُجِدت على وجه الأرض؛ قال الله عز وجل: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110].

 

فهذه الأمة خير الناس للناس، وأنفعهم لهم؛ يقول أبو هريرة رضي الله عنه: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، قال: “خير الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام”[5].

 

وفي سنن الترمذي من حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، قال: ((أنتم تُتِمُّون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله))[6].

 

أُمَّتنا لا تجتمع أبدًا على ضلالة:

فمن فضل الله تعالى على هذه الأمة الكريمة أنْ عَصَمَها من أن تجتمع على ضلالة في أصول الدين أو فروعه؛ فقد قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يجمع أمتي – أو قال: أمة محمد – على ضلالة، ويد الله مع الجماعة))[7].

 

فكلُّ أمر أجمعت عليه الأمة في أصول الدين أو فروعه، فهو حق وحُجَّة في دين الله، ومن فارق جماعة المسلمين وشذَّ، شذَّ في النار؛ وقد دلَّ على ذلك قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].

 

أكثر الأمم دخولًا الجنة:

ومن فضل الله العظيم الذي يُحمَد عليه أنْ جَعَلَ الله أكثر أهل الجنة من أمة الحبيب محمد، لك أن تتخيل هذا الفضل؛ بعث الله تسعًا وستين أمة، وأُمَّتنا هي المتممة للسبعين، ومع ذلك فأكثر أهل الجنة من أُمَّتنا، فاللهم لك الحمد والشكر على فضلك العظيم.

 

ففي صحيح الإمام البخاري من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في قُبَّة، فقال: أترضَون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قلنا: نعم، قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قلنا: نعم، قال: أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة؟ قلنا: نعم، قال: والذي نفس محمد بيده، إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر))[8].

 

بل وردت رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحة أن ثلثي أهل الجنة من أمة الحبيب، فالله أكبر والحمد لله؛ ففي سنن الترمذي عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أهل الجنة عشرون ومائة صفٍّ، ثمانون منها من هذه الأمة، وأربعون من سائر الأمم))[9].

 

يدخل الجنة من الأمة سبعون ألفًا بغير حساب:

فعن ابن عباس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب، هم الذين لا يَسْتَرِقُون، ولا يتطيَّرون، وعلى ربهم يتوكلون))[10].

 

جعل الله لها الأرض مسجدًا وطهورًا:

فمن رحمة الله بالأمة أن رخَّص لها أن تَتَيَمَّمَ بالتراب، إذا لم تجد الماء، أو عجزت عن استعماله، وأن يصلي العبد في أي مكان أدركته فيه الصلاة، بخلاف من كانوا قبلنا، فإنما أُبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة؛ كالبِيَعِ والصوامع؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أُعطيتُ خمسًا لم يُعْطَهُنَّ أحد قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فَلْيُصَلِّ، وأُحلَّت لي المغانم ولم تحلَّ لأحد قبلي، وأُعطيت الشفاعة، وكان النبي يُبعَث إلى قومه خاصة، وبُعثتُ إلى الناس عامة))[11].

 

تأتي الأمة يوم القيامة ولهم علامة يُعرَفون بها دون الناس:

فيرِدُون الحوض، وهم غرٌّ؛ أي: بيض الوجوه، مُحجَّلون؛ أي: بيض الأيدي والأرجل من آثار ماء الوضوء؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تَرِدُ عليَّ أُمَّتي الحوض، وأنا أذود الناس عنه، كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله، قالوا: يا نبي الله أتعرفنا؟ قال: نعم، لكم سِيما ليس لأحد غيركم، ترِدون عليَّ غرًّا محجلين من آثار الوضوء، وليُصدَّنَّ طائفة منكم فلا يَصِلون، فأقول: يا رب، هؤلاء من أصحابي، فيجيء مَلَكٌ فيقول: هل تدري ما أحدثوا بعدك؟))[12].

 

اختص الله الأمة بقبض رسولها قبلها:

عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده، قبض نبيها قبلها، فجعله لها فَرَطًا وسلفا بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة، عذَّبها ونبيها حي، فأهلكها وهو ينظر، فأقرَّ عينه بهلكتها حين كذبوه، وعصَوا أمره))[13].

 

وهذا من خصائص أمة سيدنا محمد، فإنه ما من نبي من الأنبياء إلا رأى عذاب قومه بعينيه، أو حصل لهم عذاب وهو حي بين ظهرانيهم، ابتداء من نوح وقد دعا على قومه، فاستجاب الله له فأهلكهم جميعًا حتى ابنه، وكذلك قوم لوط حتى امرأته كانت من الغابرين، وقوم شعيب أخذتهم الرجفة، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل نبي تُعجَّل دعوته على قومه في الدنيا، إلا النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم، قد خبَّأ دعوته لأمته إلى يوم القيامة، وغيرها من الأحاديث التي تدل على هذه الخصيصة من خصائص أمة محمد[14].

 

اختصها الله بأنها لا تُسْتَأْصَلُ بعذاب ولا هلاك:

فالله سبحانه وتعالى لا يُسلِّط على الأمة عذابًا يعُمُّهم، بل إن وقع قحط، فيكون في ناحية يسيرة بالنسبة إلى باقي بلاد الإسلام، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه[15]؛ فعن ثوبان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوِيَ لي منها، وأُعطيت الكَنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي ألَّا يُهلكها بسَنةٍ عامة، وألَّا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمدُ، إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يُرَدُّ، وإني أعطيتك لأمتك ألَّا أهلكهم بسنة عامة، وألَّا أسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم، يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها – أو قال من بين أقطارها – حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا))[16].

 

أسباب تفضيل الأمة:

واعلم أن فضيلة هذه الأمة على الأمم المتقدمة، وإن كان ذلك باختيار الله سبحانه لها، وتقديمه إياها، إلا أنه جعل لذلك سببًا، كما جعل سبب سجود الملائكة لآدم علمه بما جهلوا، فكذلك جعل لتقديم هذه الأمة سببًا؛ هو: الفطنة والفهم، واليقين وتسليم النفوس.

واعتبر حالهم بمن قبلهم؛ فإن قوم موسى رأوا قدرة الخالق في شقِّ البحر؛ ثم قالوا: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا ﴾ [الأعراف: 138]، ثم مال كثير منهم إلى عبادة العجل، وعَرَضت لهم غزاة؛ فقالوا: ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا ﴾ [المائدة: 24]، ولم يقبلوا التوراة حتى نَتَقَ عليهم الجبل.

 

ولما اختار سبعين منهم، فوقع في نفوسهم ما أوجب تَزَلْزُلَ الجبل بهم.

 

ولهذا لما صعد نبينا إلى أُحُدٍ في جماعة من أصحابه تزلزل الجبل، فقال: ((اسكن فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد))، فكأنه أشار إلى أنه ليس عليك من يشك كقوم موسى.

 

ومن تأمل حال بني إسرائيل، رآهم قد أُمِروا بقول حطة فقالوا: حنطة؛ وقيل لهم: ﴿ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ﴾ [البقرة: 58]، فدخلوا زحفًا، وقالوا عن نبيهم: هو آدَر.

 

ومن غفلة النصارى: اعتقادهم أن عيسى ابن الله، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا، وقد علم أن الابن بعض، والخالق سبحانه بائن من خلقه، ولا يشبهه أحد منهم.

 

ثم قد علموا أن عيسى لا يقوم إلا بالطعام، والإله من قامت به الأشياء لا من قام بها.

 

وقد عُرِف يقين أُمَّتنا، وبذلهم أنفسَهم في الحروب وطاعة الرسول، وحفظهم للقرآن، وأولئك كانوا لا يحفظون كتابهم، فلهذا ضلُّوا، فهم أول أمة يدخلون الجنة؛ وقد قال عليه السلام: ((كيف أنتم وربع أهل الجنة، لكم ربعها، ولسائر الناس ثلاثة أرباعها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فكيف أنتم وثلثها؟ قالوا: فذاك أكثر، قال: فكيف أنتم والشطر؟ قالوا: فذلك أكثر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل الجنة يوم القيامة عشرون ومائة صف، أنتم منها ثمانون صفًّا))[17].

 

وعن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، قال: ((أنتم تُتِمُّون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله))[18]، فالحمد لله الذي أعطانا بجوده وفضله ما لسنا من أهله[19].

 

هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه غفور رحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، فضَّل المؤمنين على المجرمين، ولم يسوِّ بين الصالحين والطالحين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله، وأصحابه الغر الميامين؛ أما بعد:

كن من السابقين:

أيها الأخ الحبيب اللبيب، اعلم أن الله كما فضَّل أمة نبينا محمد، فقد فضَّل الله الأمة بعضها على بعض، وجعلها على ثلاث مراتب: الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات بإذن الله؛ قال الله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [فاطر: 32].

 

ومعنى الآية أن الله جعل القائمين بالكتاب العظيم، المصدِّق لما بين يديه من الكتب، الذين اصطفينا من عبادنا، وهم هذه الأمة، ثم قسَّمهم إلى ثلاثة أنواع؛ فقال: ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾ [فاطر: 32]، وهو: المفرط في فعل بعض الواجبات، المرتكب لبعض المحرمات، ﴿ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ﴾ [فاطر: 32]، وهو: المؤدي للواجبات، التارك للمحرمات، وقد يترك بعض المستحبات، ويفعل بعض المكروهات، ﴿ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [فاطر: 32]، وهو: الفاعل للواجبات والمستحبات، التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات[20].

 

فيا أخي الكريم، كن من السابقين إلى الخيرات هنا في الدنيا، فتدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، بفضل الله تعالى، وبقدر سبقك هنا إلى الخيرات، يكون سبقك الناس غدًا على الصراط إلى الجنات.

 

وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، ورزقنا البر والتقوى، وجعلني وإياكم من السابقين إلى الخير والهدى، الموفَّقين لكل خير وطاعة في الدنيا، ومن السعداء في الآخرة بجنات المأوى، وصلى اللهم وسلم على نبينا ومولانا رسول الله، وعلى آله، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


[1] الأشوس: الجريء الشديد المراس في القتال.

[2] تفسير ابن كثير 1/ 454.

[3] أخرجه البخاري (ح: 4487).

[5] أخرجه البخاري (ح: 4557).

[6] أخرجه الترمذي، وهو حديث حسن (ح: 3001).

[7] أخرجه الترمذي (ح: 2167).

[8] أخرجه برقم (ح: 6528).

[9] أخرجه برقم (ح: 2546).

[10] أخرجه البخاري (ح: 2546).

[11] أخرجه البخاري (ح: 335).

[12] أخرجه مسلم (ح: 247).

[13] أخرجه مسلم (ح: 2288).

[14] القول الأحمد 85-87.

[15] شرح النووي على مسلم 18/14.

[16] أخرجه مسلم (ح: 2889).

[17] أخرجه أحمد، وهو صحيح لغيره (ح: 4328).

[18] أخرجه الترمذي (ح: 3001).

[19] التبصرة لابن الجوزي 1/ 495- 496 بتصرف.

[20] تفسير ابن كثير 6/6.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
﴿ أتستبدلون الذي أدنى بالذي هو خير ﴾
Millie Bobby Brown under fire over her debut novel Nineteen Steps; internet divided over culture of ghostwriting