من أقوال السلف في السلام


من أقوال السلف في السلام

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فإفشاء السلام عبادةٌ سهلةٌ يسيرةٌ، أجرُها كبيرٌ، وفضلُها عظيمٌ، وهي من أسباب دخول الجنة، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)).

إن مما يحزن أن هناك تساهلًا من بعض المسلمين- هداهم الله- في السلام على إخوانه المسلمين، حتى أصبح الإنسان الذي يسلِّم على غيره، يستغرب منه ذلك! قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: العجب أنك تسلِّم على بعض الناس خارجًا من المسجد، أو داخلًا فيه، وهو يستنكر، فيلتفت إليك بوجهه، وكأنه لم يُشرع السلام بين المسلمين، فإذا سلمت استنكروا، وكأن الذي سلَّم ليس في بلاد المسلمين….وقال رحمه الله: من المضحك المبكي أن من الناس اليوم، وفي هذا المسجد الحرام، وفي هذا البلد الأمين، من إذا سلَّمت عليه استغرب، ولا يدري ماذا يقول، وهذا يدُلُّ على الجفاء، ويدل على الجهل بآداب الإسلام، وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا حالت بينهم شجرة أو نحوها، سلَّم بعضُهم على بعضٍ، يعني: إذا كانوا يمشون معًا، فحالت بينهم شجرة أو نحوها، ثم تلاقوا سلَّم بعضُهم على بعضٍ، والمسلمون اليوم تجد كثيرًا منهم يُلاقي الآخرين يضرب كتف أحدهم بكتف أخيه، ولا يُسلِّمُ عليه.

للسلف رحمهم الله أقوال في السلام، يسَّر الله الكريم فجمعتُ بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

 

السلام من الإيمان:

قال عمار بن ياسر رضي الله عنه: ثلاث من جمعهن جمع الإيمان: الإنصاف من نفسه، والإنفاق من الإقتار، وبذل السلام للعالم.

من التواضع البداية بالسلام:

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: رأس التواضع أن تبدأ من لقيت بالسلام، وأن ترضى بالدون من المجلس.

قال الإمام النووي رحمه الله: السلام…فيه من رياضة النفس، ولزوم التواضع، وإعظام حرمات المسلمين.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: يتضمن مكارم الأخلاق، والتواضع، وعدم الاحتقار.

إفشاء السلام من أسباب المحبة والمودة:

قال عمر رضي الله عنه: إن مما يصفي لك ودَّ أخيك أن تبدأه بالسلام إذا لقيته، وأن تدعوه بأحَبِّ الأسماء إليه، وأن توسع له في المجلس.

 

قال الإمام النووي رحمه الله: السلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: يحصل به التآلف.

السلام على أيقاظ في مكان فيه نيام:

قال الإمام النووي رحمه الله: السلام على الأيقاظ في موضع فيه نيام، أو من في معناهم، أن يكون سلامًا متوسطًا، بين الرافع والمخافتة، بحيث يُسمع الأيقاظ، ولا يهوِّش على غيرهم.

إفشاء السلام إظهار لشعار المسلمين المميز لهم عن غيرهم:

قال الإمام النووي رحمه الله: السلام…في إفشائه بين المسلمين…إظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل المِلَل.

تحميل السلام للغير هدية حسنة:

قال رجل لأبي الدرداء رضي الله عنه: إن فلانًا يقرئك السلام، فقال: هدية حسنة، ومحمل خفيف.

الخروج من أجل السلام على الناس:

قال عبدالله بن عمر رضي الله عنه: إني لأخرج وما لي حاجة إلا لأسلم على الناس، ويسلمون عليَّ.

 

من المروءة إفشاء السلام:

سأل معاوية الحسن بن علي رحمهما الله عن المروءة، فقال: حفظ الرجل نفسه، وإحرازه دينه، وحسن قيامه بصنعته، وترك المنازعة، وإفشاء السلام.

 

السلام قبل الكلام:

قال الإمام الغزالي رحمه الله في حقوق الأخوة والصحبة: أن يبدأ كل مسلم منهم بالسلام قبل الكلام ويصافحه عند السلام.

من حق الجار بدايته بالسلام:

قال الإمام الغزالي رحمه الله: وجملة حق الجار: أن يبدأه بالسلام.

السلام على الزوجة والأهل:

قال الإمام النووي رحمه الله: يستحب للإنسان إذا أتى منزله أن يسلم على امرأته، وأهله، وهذا مما يتكبَّر عنه كثير من الجاهلين المترفين.

السلام تحية وأمان:

قال أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه: السلام…تحية لأهل مِلَّتنا، وأمان لأهل ذمتنا، واسم من أسماء الله نفشيه بيننا.

 

من بدأ بالسلام فله فضل درجة:

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: السلام اسم من أسماء الله، وضع في الأرض، فأفشوهُ بينكم، فإن العبد إذا سلم على القوم، فرَدُّوا عليه، كان له عليهم فضل درجة أنه ذكرهم السلام، وإن لم يردوا عليه ردَّ عليه من هو خير منهم وأطيب.

 

السلام على كل مسلم:

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: قوله: (ومن لا تعرف)؛ أي: لا تخص به أحدًا تكبُّرًا، أو تصنُّعًا، بل تعظيمًا لشعار الإسلام، ومراعاة لأخوة المسلم.

 

السلام على الصبيان:

قال ابن بطال رحمه الله: في السلام على الصبيان تدريبهم على آداب الشريعة، وفيه طرح الأكابر رداء الكبر، وسلوك التواضع ولين الجانب.

 

سر صيغة الجمع في السلام:

قال العلامة عبدالرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله: في حديث تعليم السلام يقول: “السلام عليكم”، فيجيب: “وعليكم السلام”.

فما سر…الجمع…مع أن…المسلِّم، والمسلَّم عليه قد يكون واحدًا؟

قد كان ظهر لي أن السرَّ…أن القادم يسلِّم على الجالس ومن معه من الملائكة ومؤمني الجن؛ فلذلك ورد بلفظ الجمع. وكذا جوابه؛ لأن سلامه يكون عنه وعمَّن معه من الملائكة ومؤمني الجن، فيكون الجواب بالجمع.

السلام على من أساء إليك:

قال العلامة السعدي رحمه الله: إذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك؛ كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فصِلْهُ، وإن ظلمك فاعْفُ عنه، وإن تكلَّم فيك غائبًا أو حاضرًا، فلا تقابله بل اعْفُ عنه، وعامله بالقول اللين، وإن هجرك وترك خطابك فطيِّب له الكلام، وابذل له السلام.

تخصيص علي بن أبي طالب رضي الله عنه بلفظ “عليه السلام”:

قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله: لا ينبغي تخصيص علي رضي الله عنه بهذا اللفظ، بل المشروع أن يقال في حقه وحق غيره من الصحابة: “رضي الله عنه” أو “رحمهم الله”؛ لعدم الدليل على تخصيصه بذلك…والأفضل أن يُعامَل كغيره من الخلفاء الراشدين، ولا يُخَصّ بشيءٍ من دونهم من الألفاظ التي لا دليل عليها.

السلام يثقل الميزان، ويرفع الدرجات عند الله:

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: فاللهَ اللهَ عبادَ اللهِ في إفشاء السلام، أفشوا السلام بينكم، أظهروه، أعلنوه، ألم تعلموا أن الإنسان إذا سلَّم على أخيه، فقال: السلام عليك، كانت له عشر حسناتٍ باقياتٍ يجدها يوم القيامة يثقُلُ بها ميزانُهُ، وترتفعُ بها درجته عند الله، ويأمن بها من عذاب النار.

السلام تحية ودعاء:

قال العلامة العثيمين رحمه الله: التحيات الإسلامية تجدها خيرًا وبركة من التحيات التي ليست إسلامية بحتة، أن يقتصر الإنسان على قوله: “مرحبًا، أهلًا”؛ يعني: حللت مكانًا واسعًا، فالفائدة فيها الإكرام فقط؛ لكن “السلام عليكم” تحية دعاء.

التقيد بالسنة عند إلقاء السلام:

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: رأيت أخيرًا حدثًا إذا سلم قال: أُحيِّيكم بتحية أهل الجنة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهذا يحتاج إلى دليل إلى العمل به، هل كان الصحابة رضي الله عنهم وهم أعلمُ منَّا بشريعة الله وأحرص منا على تطبيقها، هل كانوا يفعلون هذا؟ فأنا لا أعلمُ أنهم كانوا يفعلون هذا، وإنما يسلم الإنسان السلام المعتاد، وسلام أهل الجنة في الجنة أما في الدنيا فسلامها معروف، لكن تجد أن بعض الناس يتكلم بهذه الكلمة، ثم يعشقها الناس وتذهب كأنها سنة، فانتبه لهذا، لا تتجاوز السنة قيد أُنملة، فإن هذا هو صلاح القلب، وصلاح المجتمع، وصلاح الفرد.

 

قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: من العبارات المولَّدة قولهم: سلام حارّ، لقاء حارّ، وهكذا…والحرارة وصف ينافي السلام وأثره، فعلى المسلم الكف عن هذه اللهجة الواردة الأجنبية، والسلام اسم من أسماء الله، والسلام يثلج صدور المؤمنين، فهو تحيتهم وشعار للأمان بينهم.

“الله بخير” سئل الشيخ عبدالله أبا بطين عن استعمال الناس هذا في التحية، فقال: “هذا كلام فاسد، خلاف التحية التي شرعها الله، ورضيها، وهو السلام، فلو قال: صبحك الله بالخير، أو قال: الله يصبحك بالخير بعد السلام فلا ينكر”.

 

فقد السلام سبب للعداوة والأحقاد ونقص الإيمان:

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: شعار المسلمين الذي هو التحية: السلام عليك، إن فقده بين المسلمين سبب للعداوة، والضغائن، والأحقاد، ونقص الإيمان.

وفي الختام أنقل ما ذكره العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه النافع “زاد المعاد في هدي خير العباد” في هديه صلى الله عليه وسلم في السلام، ليكون عونًا لنا في الاقتداء به، قال رحمه الله:

ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مرَّ بصبيان فسلَّم عليهم.

 

كان من هديه صلى الله عليه وسلم السلام عند المجيء إلى القوم، والسلام عند الانصراف عنهم.

 

كان إذا دخل على أهله بالليل، يُسلِّم تسليمًا لا يوقظ النائم، ويُسمع اليقظان؛ ذكره مسلم.

 

كان…يتحمَّل السلام لمن يبلِّغه إليه، كما تحمَّل السلام من الله عز وجل على صديقة النساء خديجة بنت خويلد رضي الله عنها لما قال له جبريل: هذه خديجة قد أتتك بطعام فاقرأ عليها السلام من ربِّها، ومنِّي، وبشِّرها ببيت في الجنة.

وقال للصدِّيقة الثانية بنت الصديق عائشة رضي الله عنها: ((هذا جبريل يقرأ عليك السلام))، فقالت: وعليه السلامُ ورحمة الله وبركاته، يرى ما لا أرى.

 

كان يبدأ من لقيه بالسلام.

 

إذا سلم عليه أحد، ردَّ عليه مثل تحيته أو أفضل منها على الفور من غير تأخير، إلا لعذر، مثل حالة الصلاة، وحال قضاء الحاجة.

 

كان يُسمعُ المسلم ردَّهُ عليه، ولم يكن يرُدُّ بيده ولا رأسه ولا أصبعه إلا في الصلاة، فإنه كان يرد على من سلم عليه إشارة.

 

كان هديه في ابتداء السلام أن يقول: ((السلام عليكم ورحمة الله)) وكان يكره أن يقول المبتدئ: عليك السلام.

 

كان يردُّ على المُسلِّم ((وعليك السلام)) بالواو، وبتقديم ((عليك)) على لفظ السلام.

 

ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مرَّ على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود، فسلَّم عليهم.

صحَّ عنه أنه كتبإلى هرقل وغيره: ((السلام على من اتَّبَع الهدى)).

 

كان من هديه صلى الله عليه وسلم، إذا بلَّغهُ أحد السلامَ عن غيره، أن يردَّ عليه، وعلى المبلِّغ، كما في السنن، أن رجلًا قال له: إن أبي يُقرئك السلام، فقال له: ((عليك وعلى أبيك السلام)).

 





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
مكتبه السلطان – كتب صوتية مسموعة – إن ربي لطيف – عبد الرحمن مسعد – قراءة محمد غنايم
طريق التعلم وأسباب فهم الدروس