من أقوال السلف في سلامة القلب والصدر


من أقوال السلف في سلامة القلب والصدر[1]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى أصحابه أجمعين، أما بعد:

فطهارة القلوب وسلامة الصدور من صفات الصالحين الصادقين، وقد أثنى الله تبارك وتعالى على صاحب القلب السليم، فقال سبحانه عن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ[الصافات: 83، 84] فينبغي للعبد أن يسأل ربه الكريم سلامة الصدر، فقد كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((واسلُل سخيمة صدري))؛ [أخرجه الترمذي- رحمه الله- وقال: حديث حسن صحيح].

ومن كان سليم القلب والصدر، فطوبى له، قال الإمام الذهبي- رحمه الله- في كتابه: تاريخ الإسلام: عبدالرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة، كان رقيق القلب، غزير الدمعة، سليم القلب، كريم النفس، كثير القيام بالليل، والاشتغال بالله…وكان يبلغه الأذى من جماعة فما أعرف أنه انتصر لنفسه”… إلى أن قال: قد أوقع الله محبَّتَه في قلوب الخلق.

ومن لم يكن سليم الصدر فلن يكون له صاحب، فمن آداب الصحبة سلامة الصدر، قال أبو عبدالرحمن السلمي- رحمه الله-: الصحبة…من آدابها: سلامة الصدر للإخوان والأصحاب، والنصيحة لهم، وقبول النصيحة منهم.

سلامة القلب والصدر تحتاج إلى صبر ومصابرة، من صدق في أن يكون من أصحاب القلوب الطاهرة، والصدور السليمة، أعانه الله الرحيم الكريم.

للسلف رحمهم الله، أقوال عن سلامة القلب والصدر، يسَّر الله الكريم فجمعتُ بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

تعريف القلب السليم:

قال عوف الأعرابي رحمه الله: سألت محمد بن سيرين: ما القلب السليم؟ قال: الناصح لله عز وجل في خلقه.

 

قال الجنيد رحمه الله: السليم في اللغة: اللديغ، فمعناه أنه قلب كاللديغ من خوف الله.

 

قال الإمام ابن العربي رحمه الله: ولا يكون القلب سليمًا إذا كان حقودًا حسودًا مُتكبِّرًا.

 

قال الإمام القرطبي رحمه الله: أي الخالص من الأوصاف الذميمة، والمتصف بالأوصاف الجميلة، والله أعلم.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: القلب السليم المحمود هو الذي يريد الخير لا الشرَّ.

 

قال العلامة ابن القيم- رحمه الله-: القلب السليم هو الذي سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر وحب الدنيا والرياسة.

 

قال الحافظ ابن رجب- رحمه الله-: القلب السليم هو السالم من الآفات والمكروهات كلها.

 

قال العلامة جمال الدين القاسمي- رحمه الله-: قلب خالص من الشوائب، باقٍ على الفطرة، سليم عن النقائص والآفات.

 

قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي- رحمه الله-: قوله تعالى: ﴿ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الصافات: 84] ومن سلامته: أنه سليم من غش الخلق وحسدهم.

 

من فوائد ومنافع سلامة الصدر والقلب:

سلامة الصدر من أفضل الأعمال:

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: أفضل الأعمال: سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها، وأفضلها السلامة من شحناء أهل الأهواء والبدع التي تقتضي الطعن على سلف الأمة وبغضهم والحقد عليهم واعتقاد تكفيرهم أو تبديعهم وتضليلهم، ثم يلي ذلك سلامة القلب من الشحناء لعموم المسلمين، وإرادة الخير لهم ونصيحتهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه.

سلامة الصدر من أوثق أعمال العبد:

قال زيد بن أسلم: دُخِل على أبي دجانة- رضي الله عنه- وهو مريض، وكان وجهه يتهلَّل، فقيل له: ما لوجهك يتهلَّل؟ فقال: ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى كان قلبي للمسلمين سليمًا.

 

قال عبدالله بن محمد بن مغيث القرطبي الصفار- رحمه الله-: أوثق عملي في نفسي سلامة صدري، إني آوي إلى فراشي ولا يأوي في صدري غائلة لمسلم.

 

سلامة الصدر تورث المقامات العالية:

قال الفضيل بن عياض- رحمه الله-: لم يدرك عندنا من أدرك بكثرة صيام، ولا صلاة، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس، وسلامة الصدر، والنصح للأمة.

 

سلامة الصدر طريق للجنة:

قال قاسم الجوعي- رحمه الله-: أصلُ الدين الورع، وأفضل العبادة مُكابدة الليل، وأفضل طرق الجنة سلامة الصدر.

 

سليم القلب والصدر من الأخيار:

قال إياس بن معاوية بن قرة- رحمه الله-: كان أفضلهم عندهم أسلمهم صدورًا.

قال الإمام الآجري- رحمه الله- وهو يعدد أخلاق العالم أنه: سليم القلب للعباد من الغل والحسد، يغلب على قلبه حسن الظن بالمؤمنين في كل ما أمكن فيه العذر، لا يحب زوال النعم عن أحد.

قال الإمام ابن جماعة- رحمه الله- عن أدب المتعلم: أن يطهر قلبه من كل غش ودنس وغل وحسد…فلا يصح العلم الذي هو عبادة القلب إلا بطهارته عن خبث الصفات، ومساوئ الأخلاق ورديئها.

قال الشيخ عبدالكريم الخضير: الأصل في قلب المسلم أنه سليم، فسلامة الصدر من أوصاف الأخيار.

قال الشيخ سعود الشريم: إن سلامة صدر المرء من الغش، وخلو نفسه من نزعة الانتصار للنفس، والتشفي لحظوظها لهي سمة المؤمن الصالح الهَيِّن الليِّن الذي لا غل فيه ولا حسد.

سليم القلب والصدر يتيسر له قيام الليل:

قال الإمام الغزالي- رحمه الله-: من الأسباب الميسرة لقيام الليل: سلامة القلب من الحقد على المسلمين.

سليم القلب والصدر يحفظ جوارحه من الفساد:

قال الإمام الجصاص رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ[الشعراء: 89]، قيل: إنما سأل سلامة القلب؛ لأنه إذا سلم القلب سلم سائر الجوارح من الفساد؛ إذ الفساد بالجوارح لا يكون إلا من قصد فاسد بالقلب.

سليم القلب والصدر في جنة معجلة في الدنيا:

قال العلامة ابن القيم- رحمه الله-: فهذا القلب السليم في جنة معجلة في الدنيا، وفي جنة في البرزخ، وفي الجنة يوم المعاد، وقال رحمه الله: وأي لذة في الدنيا أطيب من برِّ القلب، وسلامة الصدر، ومعرفة الرب تبارك وتعالى ومحبته، والعمل على موافقته؟ وهل العيش في الحقيقة إلا عيش القلب السليم.

 

سليم القلب والصدر مقبول عند الناس:

قال الشيخ عبدالعزيز بن محمد السدحان عن العلامة عبدالعزيز بن باز: الشيخ- رحمه الله- له قبول عند جميع طبقات الناس…. ومن أسباب قبول الشيخ…سلامة قلبه من الغل والحسد، نحسبه كذلك والله حسيبه، ولا نزكي على الله أحدًا.

 

سليم القلب والصدر الناس يثنون ويترحمون عليه:

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: لما مات عامر بن عبدالله بن الجراح، أبو عبيدة الجراح، خطب معاذ- رضي الله عنهما- فقال: وإنكم فجعتم برجل ما أزعم والله أني رأيتُ من عباد الله قط أقل حقدًا، ولا أبرّ صدرًا، ولا أبعد غائلة، ولا أشدّ حياء للعاقبة، ولا أنصح للعامة منه، فترحَّمُوا عليه.

 

سليم القلب والصدر يسُرُّه ما يسُرُّ أخاه المؤمن:

قال الحافظ ابن رجب- رحمه الله- في شرح حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه))؛ حديث أنس…يدلُّ على أن المؤمن يسُرُّه ما يسُرُّ أخاه المؤمن، ويريد لأخيه المؤمن ما يريد لنفسه من الخير، وهذا كله إنما يأتي من كمال سلامة الصدر من الغش والغلِّ والحقد.

 

سليم القلب والصدر سالم من كل شرٍّ، حاصل له كل خير:

قال العلامة السعدي رحمه الله: وإذا كان قلب العبد سليمًا سلم من كل شرٍّ، وحصل له كل خير.

سليم القلب والصدر ينتفع بماله وولده:

قال العلامة العثيمين- رحمه الله-: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 88، 89] من فوائد الآيتين الكريمتين: فضيلة القلب السليم؛ لأنه سبب لاستفادة الإنسان من ماله وبنيه، بناءً على أن الاستثناء مُتصل، وهو كذلك.

سليم القلب في راحة:

قال الإمام الشافعي رحمه الله:

لما عفوتُ ولم أحقد على أحدٍ
أرحتُ نفسي من همِّ العداوات

من أسباب عدم سلامة الصدر:

المماراة والمنافسة في أمور الدنيا:

قال الإمام الغزالي- رحمه الله-: وأشدُّ الأسباب لإثارة نار الحقد بين الإخوان المماراة والمنافسة، فإنها عين التدابر والتقاطع، فإن التقاطع يقع أولًا بالآراء، ثم بالأقوال، ثم بالأبدان.

الخصومة:

قال الإمام النووي- رحمه الله-: والخصومة توغر الصدور، وتهيج الغضب، وإذا هاج الغضب حصل الحقد بينهما، حتى يفرح كل واحد بمساءة الآخر، ويحزن بمسرته، ويطلق اللسان في عرضه.

حبُّ الرئاسة:

قال الفضيل بن عياض- رحمه الله-: ما من أحب الرئاسة إلا حسد، وبغى، وتتَبَّع عيوب الناس، وكره أن يذكر الناس بخير.

كثرة المزاح:

قال عمر بن عبدالعزيز- رحمه الله-: إياكم وكثرة المزاح، فإنه يورث الضغينة، ويجرُّ إلى القبيح.

من أسباب سلامة الصدر:

الرضا بقضاء الله وقدره:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الرضا يفتح له باب السلامة، فيجعل قلبه سليمًا نقيًّا من الغش والدغل، والغل، ولا ينجو من عذاب الله إلا من أتى الله بقلب سليمٍ…وكلما كان أشدَّ رِضًا كان قلبُه أسلمَ، فالخبث والدغل والغش قرين السخط، وسلامة القلب وبره ونصحه قرين الرِّضا، وكذلك الحسد هو من ثمرات السخط.

الإخلاص والنُّصْح للولاة ولزوم جماعة المسلمين:

قال العلامة ابن القيم- رحمه الله-: في الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث لا يَغِلُّ عليهن قلبُ مسلم: إخلاصُ العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزومُ جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم))؛ أي: لا يبقى فيه غل، ولا يحمل الغل مع هذه الثلاثة، بل تنفي عنه غلَّه، وتخرجه منه.

قال ابن الأثير الجزري رحمه الله: والمعنى أن هذه الخلال الثلاث تُستصلح بها القلوب، فمَنْ تَمَسَّك بها طهُر قلبه من الخيانة والدغل والشرِّ.

الدعاء للنفس وللغير:

قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[الحشر: 10].

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي بغضًا وحسدًا.

قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: لقد ذكر الله في هذا الدعاء نفي الغل عن القلب، الشامل لقليل الغل وكثيره، الذي إذا انتفى ثبت ضده وهو المحبة بين المؤمنين.

 

قال الشيخ عبدالكريم الخضير: الإكثار من الدعاء للغير لا شك أنه دليل على سلامة القلب من الغل والحقد؛ لأن بعض الناس لا تجود نفسه بالدعاء لغيره، بل يدخر جميع دعواته لنفسه.

 

الجود بالعرض:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الجود بالعرض، كجود أبي ضمضم من الصحابة- رضي الله عنهم- كان إذا أصبح قال: اللهم إنه لا مال لي فأتصدَّق به على الناس، وقد تصَدَّقت عليهم بعرضي، فمن شتمني أو قذفني فهم في حلٍّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من يستطيع منكم أن يكون كأبي ضمضم)) وفي هذا الجود من سلامة الصدر، وراحة القلب، والتخلُّص من معاداة الخلق.

الإكثار من ذكر الموت:

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: من أكثر ذكر الموت، قَلَّ فرحُه، وقلَّ حسَدُه.


[1] استفدتُ في بعض ما نقلت من الكتب التالية:

1- “سلامة الصدر وأثرها في حياة الدعاة” للدكتور سليمان بن عبدالله الحبس.

2- “خمسون وسيلة لسلامة الصدر” لمؤلفه سعد بن محمد الطخيس.

3- “الحث على سلامة الصدر” لمؤلفه علي بن محمد بن سليمان الدهامي، أثابهم الله، ونفع بكتبهم.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
نصرة لغزة..تونسيون يطردون سفير إيطاليا من معرض الكتاب (فيديو)
تحميل كتاب التناص في الشعر العربي الحديث ؛ البرغوثي نموذجاً pdf