ولدي أصغر الأبناء


ولدي أصغر الأبناء

 

إليك ولدي الحبيبَ…

إليك – يا عبدالله – وأنت اليوم تبدأ مرحلة الجامعة، وقد بلغت الثامنة عشرة، تبدأ في الأول من شعبان 1445ه (11/ 2/ 2024م)، سبحان الله! كيف مرَّت السنوات سريعًا؟ بالأمس القريب كنت طفلًا، وأنت تودِّع أمك رحمها الله في العام 2018م، كم كنا نَوَدُّ أن تكون بيننا لتشاركنا الفرحة بدخول آخر أولادها الجامعة، كما فرِحت بدخول إخوتك وأخواتك قبلك! فلا تغفُلْ عن الدعاء لها يا ولدي عند كل صلاة.

 

ولدي الغالي الحبيب، أوصيك وأنت في مرحلة جديدة، وزملاء جُدُد لم تَعْتَدْ عليهم، ولم تعرفهم من قبل، وبيئة مختلفة عما كنت عليها – أوصيك بتقوى الله عز وجل، وصية الله لعباده، ووصية نبيه لأتباعه، فاحرص عليها دائمًا، وضَعْها نُصْبَ عينيك، ابدأ يومك بتقوى الله واختمه بها، وعامل من معك بها، كن قريبًا من ربك عز وجل قبل كل أحد، وأخْلِصْ له الأعمال كلها؛ العبادة والدراسة والمعاملة.

 

ولدي الصغير الكبير…

لقد كبِرت وصِرْتَ رجلًا تتحمل المسؤولية، فلا تُلقِ بالًا لبعض العقبات والمتاعب والتُّرهات التي قد تعتريك، وتسوؤك، وتؤذيك، وتذكَّر مَن يتحمل أكثر منك، تذكَّر من لا يجد جامعة يدرس بها، تذكر من لا يجد سكنًا يأوي إليه ولا طعامًا يأكله، ولا وسيلة نقل تُقله، ولا ملابس تستره، ولا نفقة تعينه، بل ولا يجد أمنًا ولا سكينة، وإنما أصوات القذائف والصواريخ والبنادق، هذا إن سلِم من الإصابة، وهنيئًا لمن كانت نهايته الشهادة، فهو حيٌّ عند ربه يُرزق في جنات النعيم.

 

ولدي… أوصيك بألَّا تصاحب إلا الأتقياء الأنقياء، الطيبين الصالحين، العابدين المصلِّين، وهم كُثُر بفضل الله، تجدهم في بيوت الله وفي الصفوف الأُوَل، وتراهم عند الأذان يُهرعون إلى أفضل البقاع وهي المساجد، قد توضؤوا وتهيؤوا للوقوف بين يدي ربهم ومناجاته، والركوع له والسجود، يستمتعون ويتلذذون بمناجاته وذكره، وتسبيحه وتمجيده، كن معهم وسابقهم، فهذا موضع التسابق والمجال متاح للجميع، كن معهم ولو كانوا فقراء فهم الأغنياء في الحقيقة، ولا تغرنَّك المظاهر الخدَّاعة والضحكات الكاذبة عند من ابتعد عن ربه ومولاه.

 

حبيبي الغالي…

احذر الرفقة السيئة وأصدقاء السوء، وتذكَّر هَدْيَ النبي العظيم عندما شبَّهه بنافخ الكير، الذي إما أن يُحرق ثيابك، أو تجد رائحة منتنة، وهو الذي لا يحب الخير لنفسه فكيف لغيره؟ ذلك الذي لا يعتني بصلاة ولا خُلُق، يكره الطيبين ويحب الفاسدين، لا يعرف القدوات الصالحة، وإنما قدواته الشيطان ورفاقه، ففِرَّ منهم وابتعد؛ حتى لا يجرُّوك معهم، ويُفسدون عليك دينك وأخلاقك وقِيَمَك، لا عليك بهم إن استهزؤوا، ولا تُلقِ لهم بالًا إن مكروا، فلم يسلَم منهم حتى الأنبياء والأتقياء.

 

ولدي…

اجتهد في دراستك وتحصيلك منذ البداية، ولا تترك شاردة ولا واردة إلا وتدوِّنها من الأستاذ والمعلم، والمرشد والموجِّه، واعلم بأنك في عبادة تتقرب بها إلى الله، ترجو ثوابه وتخاف عقابه، وتيقن بأن الله لا يضيع عمل المخلصين المجتهدين، وتذكر بأن تميُّزك يقرِّبك من ربك ثم من أساتذتك، حتى لو كان بينهم مخالف لك، فالأستاذ يعجب بالطالب المجتهد النجيب، ولا يظلمه، وابذل جهدك في احترام المعلم وعدم الإساءة إليه، حتى لو بدر منه شيء ضايقك، اصبر وتحمَّل وادفع بالتي هي أحسن.

 

حبيبي الغالي…

اتْرُك لك بصمة جميلة تُذكر بها في المسجد والجامعة، والسكن والسوق، والطريق وكل مكان، حتى تُذكر عند الله أولًا، ثم عند الملائكة المقربين الذين يدوِّنون أعمالك، ويضيفونها في سجلاتك، ثم تذكر عند الناس بالخير، فيُقال: جزاه الله خيرًا، ورحِمه الله وغفر له، وحتى أبوك وأمك يكسبان معك الدعوات، ويُدعى لهما في الحياة وبعد الممات.

 

وأخيرًا… لا تغفُل عن ذكر الله في كل وقت، عند الفرح أو الحزن، عند النعمة أو الشدة، في الطريق وعند الرفيق، عند النوم والاستيقاظ، عند الأكل والشرب، عند الدخول والخروج، حصِّن نفسك بأذكار الصباح والمساء، كلها أو بعضها، اجعل لسانك رطبًا بذكر ربك ومولاك.

 





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
رحلتي مع القرآن (73) صلة الرحم
موافقات عمر رضي الله عنه وأعماله الأولية