يا عبد الله ماذا تقول لربك غدا؟


الدرس التاسع عشر: يا عبد الله ماذا تقول لربك غدًا؟

 

الحمد لله الذي جعل القرآن هدايةًً للمقبلين، وجعل تلاوته بخضوع تُهل دمع الخاشعين، وأنزل فيه من الوعيد ما يهز به أركان الظالمين، وأخبر فيه أن الموت نهايةٌ لعالمين، وأننا بعد الموت للحساب مبعوثين، وأننا سنحاسب عما كنا فاعلين، وسنقف بذل وخضوع بين يدي رب العالمين، ﴿ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ﴾[الفجر: 23]، ﴿ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ﴾ [إبراهيم: 49]، ليس هناك فرق بين ملك معظم وإنسان مهين، هذا جزاء من أخلص العمل لله رب العالمين، وهذا عطاء رب الأرباب مالك يوم الدين، سبحانه من إله عظيم أعز الحق وأخرس المبطلين، سبحانه عدد ما دعاه عباده المساكين، سبحانه عدد ما انهمرت دموع المنيبين، سبحانه جواد كريم قوي متين؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 18، 19].

يا من تمتَّع بالدنيا وزينتها
ولا تنام عن اللذات عيناه
أفنيت عمرَك فيما لست تُدركه
تقول لله ماذا حين تلقاه

أخي الحبيب، حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون المبارك عن المسؤولية إمام رب البرية في ذلك اليوم العصيب الرهيب الذي صوَّره الله تعالى بقوله: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ محْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا[آل عمران:30]، ﴿ يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ ﴾[الفرقان:25]، ﴿ يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ[الفرقان:27]، ﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ [الحج:2]، يوم الحاقة، يوم الطامة، يوم القارعة، يوم الصَّاخة، ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ *وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهُ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ منْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:24-37].

ذكر اليوم الآخر يطهر القلوب من الحسد والفرقة والاختلاف.

ذكره يهدد الظَّلَمَة ليَرعَووا، ويعزي المظلومين ليسكنوا، فكل سيأخذ حقه لا محالة، حتى يقاد للشاةِ الجلحاء من الشاة القرناء، فلا ظلم ولا هضم، والوزن بالقسط فلا ظلم ولا يؤخذ عبد بسوى ما عملا.

ذكر اليوم الآخر يمسح على قلوب المستضعفين والمضطهدين والمظلومين مسحة يقين، تسكن معه قلوبهم، ثم تَثبُت شماء وهي تتطلع لما أعدَّه الله للصابرين من نعيم يُنسى معه كل ضرٍّ وبلاء وسوء وعناء، وتتطلع لِما أعده الله للظالمين من بؤسٍ يُنسى معه كل هناء.

يوم القيامة لو علمت بهوله
لفررت من أهل ومن أوطانِ
يوم عبوس قمطرير أمره
فيه تشيب مفارق الولدانِ

فاستفتح بالذي هو خير، يقول مولانا في كتابه العظيم: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيد * لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيد * وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيد * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيد * مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيب * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيد * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيد * قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ ﴾ [ق:20-28].

 

حال السلف ماذا تقول لربك غدًا:

روى الذهبي في تاريخ الإسلام بعد أن ذكر مشورة أبي بكر – رضي الله عنه – لكبار الصحابة في عزمه على تولية عمر بعده: (فقال قائل: ماذا تقول لربك عن استخلافك عمر وقد ترى غلظته؟ فقال أجلسوني، ثم قال: أبالله تخوفوني؟ أقول: استخلفت عليهم خير أهلك).

 

وعن الأحنف بن قيس قال: كنت مع عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فلقيه رجل، فقال له: يا أمير المؤمنين، انطلق معي فأعدني على فلان فقد ظلمني، فرفع عمر درته وخفق بها رأس الرجل، وقال له: تدعون أمير المؤمنين وهو معرض لكم مقبل عليكم، حتى إذا شغل بأمر من أمور المسلمين أتيتموه أعدني أعدني، فانصرف الرجل غضبان آسفًا، فقال عمر: علي بالرجل، فلما عاد ناوله مخفقته، وقال له: خذْ واقتص لنفسك مني، فقال الرجل: لا والله، ولكني أدعها لله وانصرف، وعدت مع عمر إلى بيته، فصلى ركعتين ثم جلس يحاسب نفسه ويقول: ابن الخطاب، كنت وضيعًا فرفعك الله، وكنت ضالًّا فهداك الله، وكنت ذليلًا فأعزك الله، ثم حملك على رقاب الناس، فجاءك رجل يستعديك فضربته، فماذا تقول لربك غدًا إذا لقيته؟ خرج يومًا إلى السوق، فرأى إبلًا سمانًا فقال: إبل من هذه؟ قالوا: إبل عبد الله بن عمر، قال: عبد الله بن عمر! بخ, بخ, يا بن أمير المؤمنين، وأرسل في طلبه، فلما أتاه قال له: ما هذه الإبل يا عبد الله؟

 

فقال عبد الله: إنها إبل أنضاء اشتريتها بمالي، وبعثت بها إلى الحمى: أتاجر فيها، وأبتغي ما يبتغي المسلمون، فقال عمر: ويقول الناس حين يرونها: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، وهكذا تسمن إبلك، ويربو ربحك يا بن أمير المؤمنين، ثم صاح به: يا عبد الله، خذ رأس مالك، واجعل الربح في بيت مال المسلمين، يا خالق عمر، سبحانك!

 

وروى ابن كثير أن معاوية رضي الله عنه لما دخل على أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – فسلم عليها من وراء حجاب، وذلك بعد مقتله حجرًا وأصحابه، قالت له: أين ذهب عنك حلمك يا معاوية حين قتلت حجرًا وأصحابه؟! فقال لها: فقدته حين غاب عني من قومي مثلك يا أماه، ثم قال لها: فكيف بري بك يا أمة؟ فقالت: إنك بي لبارٌّ، فقال يكفيني هذا عند الله، وغدًا لي ولحجر موقف بين يدي الله عز وجل، وروى ابن جرير أن معاوية جعل يغرغر بالصوت وهو يقول: إن يومي بك يا حجر بن عدي لطويل قالها ثلاث، ما أروع هذا الميزان الذي يزن المرء منا به أفعاله في كل وقت: (ما تقول لربك غدًا؟)، هذا الميزان الذي بثه الإسلام في نفوس المؤمنين، ورباهم عليه، فحققوا أعظم حضارة وكانوا به خير أمة أخرجت للناس.

 

ماذا تقول لربك إذا يا مضياع للصلاة:

اعلموا عباد الله أن أول ما يسأل عن العبد يوم القيامة الصلاة، فماذا أنت قائل عندما يسألك عنها؛ عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ؟ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ).

 

يا تاركًا للصلاة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية، ولكن أخروها عن أوقاتها، وقال سعيد بن المسيب إمام التابعين رحمه الله: هو ألا يصلي الظهر حتى يأتي العصر، ولا يصلي العصر إلى المغرب، ولا يصلي المغرب إلى العشاء، ولا يصلي العشاء إلى الفجر، ولا يصلي الفجر إلى طلوع الشمس، فمن مات وهو مصر على هذه الحالة، ولم يتُب وعده الله بغَيٍّ، وهو واد في جهنم بعيد قعره خبيث طعمه، وقال الله تعالى في آية أخرى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 4، 5]؛ أي: غافلون عنها متهاونون بها، وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال: “هو تأخير الوقت”؛ أي: تأخير الصلاة عن وقتها سماهم مصلين، لكنهم لَما تهاونوا وأخَّروها عن وقتها، وعدهم بويل وهو شدة العذاب، وقيل: هو واد في جهنم لو سُيرت فيه جبال الدنيا، لذابت من شدة حره، وهو مسكن من يتهاون بالصلاة ويؤخرها عن وقتها، إلا أن يتوب إلى الله تعالى ويندم على ما فرَّط، وقال الله تعالى في آية أخرى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: “من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاة يوم القيامة، وكان يوم القيامة مع فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف عن بعض السلف أنه أتى أختًا له ماتت، فسقط كيس منه فيه مال في قبرها، فلم يشعر به أحد حتى انصرف عن قبرها، ثم ذكره فرجع إلى قبرها، فنبشه بعدما انصرف الناس، فوجد القبر يشعل عليها نارًا، فرد التراب عليها ورجع إلى أمه باكيًا حزينًا، فقال: يا أُمَّاه أخبريني عن أختي وما كانت تعمل، قالت: وما سؤالك عنها، قال: يا أمي رأيت قبرها يشتعل عليها نارًا، قال: فبكت وقالت: يا ولدي كانت أختك تتهاون بالصلاة وتؤخرها عن وقتها، فهذا حال من يؤخر الصلاة عن وقتها، فكيف حال من لا يصلي، فنسأل الله تعالى أن يعيننا على المحافظة عليها في أوقاتها، إنه جواد كريم.

 

يا آكلًا للربا ماذا تقول لربك غدًا وأي عذر ستقدمه لربك غدًا؟

آكلَ الرِّبا مُحاربٌ لله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [البقرة: 278، 279]، قال ابنُ عَبَّاسٍ: (يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لآكِلِ الرِّبَا: خُذْ سِلاحَكَ لِلْحَرْبِ)؛ رواه الطبري.

 

توهِم نفسك وأنت واقفٌ بين يدي ملك الملوك وأنت حاربته في الدنيا بترك أمره وانتهاك نهيه، وأنت كنت في الدنيا حريصًا على جمع المال، ولم تعمل حسابًا لوقوفك بين يدي الكبير المتعال أن آكلَ الرِّبا يسبح في نهرٍ من دمٍ في البرزخ حتى تقوم الساعة، قال صلى الله عليه وسلم: (رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا)؛ رواه البخاري.

 

أن آكلَ الرِّبا يُبعثُ يوم القيامة مجنونًا يُخنق؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275].

 

يا مانعًا للزكاة الم تسمع قول الله تعالى وهو يناديك:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾[البقرة: 254]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [ البقرة: 267].

 

قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 34-35].

 

يا من شغل بماله وولده عن ذكر الله ماذا تقول لربك غدًا؟

﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 9 – 11].

 

ومعنى الآية؛ أي: لا يشغلكم تدبير أموالكم والعناية بشؤون أولادكم عن القيام بحقوق ربكم وأداء فرائضه التي طلبها منكم، واجعلوا للدنيا حظًّا من اهتمامكم وللآخرة مثله، وهذا ما عناه الحديث: “اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا”.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 33].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 9 – 11].

 

يا من ضيَّعت عمرك ماذا تقول لربك غدًا؟

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن علمه ما عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه؟))[1].

 

والله ما خلقنا لنضيع الأعمار، فإن جُلَّ الأمة الآن يقضي جُلَّ الليل أمام التلفاز ولا حول ولا قوة إلا باللـه العلي العظيم.

 

يا من يمضي عمرك وأنت لا تدري، اعلَم أنك ستسأل عن هذه الساعات، ستسأل عن هذا العمر..

 

قيل لإبراهيم بن أدهم طيب اللـه ثراه: يا إبراهيم كيف وجدت الزهد في الدنيا؟!

 

فقال إبراهيم: بثلاثة أشياء، قيل: وما هي؟!

 

قال إبراهيم: رأيت القبر موحشًا وليس معي مؤنس، ورأيت الطريق طويلًا وليس معي زاد، ورأيت جبار السماوات والأرض قاضيًا وليس معي من يدافع عني.

 

وهذا أخوه هارون الرشيد الذي كان يخاطب السحابة في كبد السماء، ويقول لها: أيتها السحابة في أي مكان شئت أمطري فسوف يحمل إلي خراجك إن شاء اللـه تعالى.

 

لما نام على فراش الموت بكى هارون قال لإخوانه: أريد أن أرى قبري الذي سأدفن فيه!!

 

فحملوه إلى قبره، فنظر هارون إلى قبره وبكى ورفع رأسه إلى السماء: وقال يا مَنْ لا يزول مُلكه ارحم من زال ملكه.

 

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون:115-116].

 

قال لقمان الحكيم لولده: أي بُنَيَّ إنك من يوم أن نزلت إلى الدنيا استدبرت الدنيا، واستقبلت الآخرة، فأنت إلى دار تُقبل عليها أقرب من دار تبتعد عنها.


[1] الترمذي: (4/ 529) (38) كتاب صفة القيامة (1) باب في القيامة رقم (2417).





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
لو امتثلنا أمر ربنا لسعدنا بنشر العدل وسعد الناس أجمعين
The best Canadian fiction of 2023 – CBC.ca