(اعرضوا الحديث على القرآن فما وافق القرآن فاقبلوه، وما خالف القرآن فردوه)


ثلاث آيات قرآنية تبين بطلان حديث:

(اعرضوا الحديث على القرآن فما وافق القرآن فاقبلوه، وما خالف القرآن فرُدُّوه)

 

السُّنَّة النبوية مُبيِّنة للقرآن الكريم، وقد أمرنا الله في كتابه بطاعته وطاعة رسوله، وطاعة الله باتباع القرآن، وطاعة رسوله باتباع السُّنَّة، ومن الجهل بكتاب الله وسُنَّة رسوله الاستدلالُ بحديث مكذوب على عَرْضِ السُّنَّة على القرآن، ومعلوم أن السُّنَّة النبوية الصحيحة لا يمكن أبدًا أن تخالف القرآن الكريم، فكلاهما وحي من عند الله سبحانه، ولو وَرَدَ حديث يخالف القرآن الكريم مخالفة صريحة، فعلماء أهل الحديث يردونه ويبينون بطلانه، ولكنهم لا يبادرون برد الأحاديث الصحيحة بدعوى مخالفتها القرآن، فالسُّنَّة النبوية تبيِّن مجمل القرآن وتفسِّره، وفيها أحكام زائدة عما في القرآن الكريم لا يخالف في قبولها أحد من المسلمين، مع كونها غير مذكورة في القرآن؛ ولذلك أمرنا الله بالأخذ بما آتانا الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمرنا باتباعه والاقتداء به، وأخبر أن من أطاعه اهتدى.

 

وهذه ثلاث آيات لو اقتصرنا عليها، ولم نأخذ بالسُّنَّة، ضَلَلْنا وخالفنا إجماع المسلمين؛ فتأملها:

1 ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النساء: 101]، هذه الآية تدل بمفهومها أن قَصْرَ الصلاة في السفر خاصٌّ بحالة الخوف من الكافرين، وجاءت السُّنَّة الصحيحة تبيِّن أن قَصْرَ الصلاة يجوز في السفر حتى عند الأمن، ولا يجوز رد تلك الأحاديث الصحيحة بدعوى مخالفتها القرآن.

 

2 ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، في هذه الآية الكريمة أمرنا الله بالصلاة والسلام على رسوله، ولم يأمرنا فيها بالصلاة والسلام على آله، لكن جاءت السُّنَّة الصحيحة بمشروعية الصلاة والسلام على النبي وآله، ولا يجوز رد هذه السُّنَّة الصحيحة بدعوى مخالفتها القرآن الكريم.

 

3 ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 145]، ظاهر هذه الآية الكريمة المكية أن المحرَّمات من المطعومات هذه الأشياءُ الأربعة المذكورة في الآية، وقد جاءت السُّنَّة الصحيحة بتحريم كل ذي ناب من السِّباع، وتحريم كل ذي مِخْلَبٍ من الطير، وتحريم الحَمير الأهْلِيَّة.

 

فلا يجوز رد تلك الأحاديث الصحيحة بدعوى مخالفتها القرآن الكريم، ومن ادعى ذلك، فيلزمه عدم قصر الصلاة في سفره إذا كان آمِنًا لا يخاف من الكفار، ويلزمه عدم الصلاة الإبراهيمية التي فيها ذكر الآل، ويلزمه تحليل أكل لحم الكلاب والقطط، والصقور والنسور، والحمير الأهلية؛ لأن تحريمها غير مذكور في القرآن الكريم.

 

وقد بيَّن العلماء بطلان الحديث المذكور؛ ومن ذلك ما قاله العلامة ابن حزم رحمه الله في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام 2/ 79، 80): “أول ما نعرض على القرآن الحديث الذي ذكرتموه، فلما عرضناه وجدنا القرآن يخالفه… ونسأل قائل هذا القول الفاسد: في أي قرآن وُجِدَ أن الظهر أربع ركعات، وأن المغرب ثلاث ركعات، وأن الركوع على صفة كذا، والسجود على صفة كذا، وصفة القراءة فيها والسلام، وبيان ما يُجتنب في الصوم، وبيان كيفية زكاة الذهب والفضة والغنم والإبل والبقر، وبيان أعمال الحج من وقت الوقوف بعرفة، وصفة الصلاة بها وبمزدلفة، ورمي الجِمار، وصفة الإحرام، وما يُجتنب فيه، وما يحرُم من المآكل، وصفة الذبائح والضحايا، وأحكام الحدود، وصفة وقوع الطلاق، وأحكام البيوع، وبيان الربا والأقضية وسائر أنواع الفقه؟ وإنما في القرآن جُمل لو تُرِكنا وإياها، لم نَدْرِ كيف نعمل فيها، وإنما المرجوع إليه في كل ذلك النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الإجماع إنما هو على مسائل يسيرة… فلا بد من الرجوع إلى الحديث ضرورة، ولو أن امرأً قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن، لكان كافرًا بإجماع الأمة”.

 

اللهم اهْدِ مَن ضلَّ عن اتباع سنة نبيك، وارزقنا طاعتك وطاعة رسولك.





Source link

أترك تعليقا

مشاركة
Mayo Clinic Family Health Book, Fifth Edition
Top 16 Screenwriting Books – ScreenCraft